ثقافي

ما تبقى من قرطاج المسرحية : المسرحية الفلسطينية "العاشق" فصول ملحمية تقتفي أثر محمود درويش من خلال أشعاره

الشعب نيوز / ناجح مبارك -  تزامنا مع اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، احتضنت قاعة الفن الرابع قبل يوم من اختتام أيام قرطاج المسرحية  عرض المسرحية الفلسطينية "العاشق" المبرمجة ضمن المسابقة الرسمية لأيام قرطاج المسرحية في دورتها الخامسة والعشرين، المسرحية إنتاج مسرح جوال ومسرح المجد إخراج ودراماتورجيا نبيل عازر عن نص لمحمود درويش أداء كل من حسن طه وعلاء شُرّش وديما عازر ولبيب بدارنه وبوليانا قسّيس وإياد شيتي وحلا سالم وماريا سمعان.

ليس بخاف على أحد دور الفن في الدفاع عن القضية الفلسطينية، كل يعبّر بطريقته سواء بالوقفات الاحتجاجية أو بالغناء و المسرح والرسم والكتابة وغيرها من أساليب الدعم، وطالما شارك المبدعون بأقلامهم شعرا ورواية وقصة ولوحات ومسرحا في دعم القضية من سميح القاسم مرورا بغسان كنفاني وفدوى طوقان ومعين بسيسو وكاريكاتيرات ناجي العلي .

* حنظلة العلي 

 وشخصية "حنظلة" وصولا الى قصائد محمود درويش الذي صدح صوته ذات يوم وقال "على هذه الأرض ما يستحق الحياة، على هذه الأرض سيدة الأرض، أم البدايات أم النهايات، كانت تسمى فلسطين، صارتْ تسمى فلسطين" . 

ولأن شعار أيام قرطاج المسرحية هذه الدورة "الإبادة والمقاومة: نحو أفق إنسي جديد"، كان لا بد من حضور القضية الفلسطينية، ولم يكن أفضل من مشاركة مسرحية "العاشق" لتجسيد القضية من خلال حياة وأشعار محمود درويش. 

"العاشق" هي ملحمة جسّدها فلسطينيون متمسكون بأرضهم وحقهم باستذكار واستعادة حياة الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، واقتفاء أثره وذاكرته في نصوصه الشعرية والنثرية.

ففي هذا العرض المسرحي يروي "العاشق" شذرات من محطات حياة الشاعر محمود درويش ويضعها في سياقها التاريخي والسياسي. كما يتبع مروره في مسارات أزمنة وأمكنة تركت بصمتها في شخصيته وقصيدته على غرار: قرية البروه ،حيفا، بيروت، باريس، الضفّة وغيرها .

* الحب والتضحية 

رحلت "العاشق" بجمهور أيام قرطاج المسرحية على مدى 95 دقيقة إلى حياة شاعر الثورة والوطن والحب محمود درويش بتفاصيلها الإنسانية والوطنية والسياسية، وسردت قصته بفصولها المختلفة من الولادة الى الحب والتضحية والصراع والموت وحُلم العودة ونشيد الحياة، فكانت عبارة عن ملحمة لم تقتصر على استعراض الأحداث بل جسدتها رقصا وغناء. 

في هذا العمل المسرحي استخدم المخرج السينوغرافيا كأداة لسرد القصة حيث سيطرت في عنصر الإضاءة الألوان الداكنة لتعكس مراحل معينة من حياة درويش، مع التّناسق في ديكور المسرح الذي أعدّه الفنان أشرف حنّا حيث تم وضع هضبة كبيرة وسط الركح في إشارة الى أرض فلسطين الخصبة وانتصب خلفها البحر الذي أحبّه محمود درويش وخصّص له العديد من قصائده، كما كان لبساطة اللباس الذي ارتداه الممثلون رمزية وكأننا بهم يخبروننا أنهم لا يمثلون بل يجسدون واقعهم .

دون أن ننسى الانسجام والتناغم بين الممثلين أثناء أدائهم لقصائد محمود درويش حيث كانت أصواتهم أوبيرالية راقية .

* الهجرة والتشرد

عرض مسرحي غنائي كوريغرافي روى لنا بنصوص وشعر درويش وبألحان نبيل عازر ما يعيشه الفلسطنييون من اغتراب وتهجير وظلم يومي من خلال مسيرة حياة درويش انطلاقا من قرية البروة التي شهدت طفولته الى هجرة 1948، لتنتقل الرحلة الى حيفا في الستينات أي مرحلة "ريتا والبندقية"، ثم تتسلسل الأحداث بطريقة تدريجية وغير روتينية حيث راوح المخرج بين الحوار والغناء والقصيد، ومن حيفا انتقل بنا الى بيروت في السبعينات وفي سنة 1982 انتقل الى باريس التي تعد أبرز محطات حياة درويش على مستوى تطور وتنوع انتاجه ففيها كتب أهم أعماله الشعرية والنثرية: " "حصار لمدائح البحر"، "هي أغنية"، "ورد أقل"، "مأساة النرجس.. ملهاة الفضة"، "أرى ما أريد"، "أحد عشر كوكبًا"، "لماذا تركت الحصان وحيدًا؟"، بالإضافة إلى كتب نثرية عدة: "ذاكرة للنسيان"، "في وصف حالتنا"، "عابرون في كلام عابر"، "الرسائل" . 

ليعود درويش الى رام الله نهاية التسعينات وتكون المحطة الأخيرة مع العاشق لاعب النرد ويطرح السؤال الأزلي: "من أنا لأقول لكم ما أقول لكم؟". ويأتي الجواب على لسان ثمانية فلسطنيين :

"وأَنتَ تُعِدُّ فطورك  فكِّرْ بغيركَ لا تَنْسَ قُوتَ الحمامْ 

وأَنتَ تخوضُ حروبكَ، فكِّر بغيركَ لا تَنْسَ مَنْ يطلبون السلامْ

وأَنتَ تعودُ إلى البيت، بيِتكَ، فكِّرْ بغيركَ لا تنس شعب الخيامْ"

"العاشق" مسرحية غنائية كتبت باللغة العربية الفصحى تخللتها بعض المفردات الفلسطنية، اقتفت حياة الشاعر محمود درويش، لكنها في الحقيقة جسدت حياة كل فلسطيني بتقلباتها وصراعاتها، كل فلسطيني عاش الاغتراب والتهجير  . 

ولأن الشعب الفلسطيني يستحق الحياة، اختار المخرج نبيل عازر إنهاء ملحمته بقصيدة " على هذه الأرض ما يستحق الحياة" ليؤكد أولا أن الفلسطينيين هم شعب الله المختار الذين لهم الحق في أرضهم طال الزمان أو قصر وليؤكد أيضا التزام الفنان بنصرة قضاياه وأن فلسطين تغزل كل يوم حكاية صمود وتضحية سواء بالبندقية أو شعرا أو مسرحا . 

"العاشق" سينوغرافيا أشرف حنّا، موسيقى نبيل عازر، توزيع موسيقي كارم مطر، تصميم حركة لنا زريق وحلا سالم .