آراء حرة

متحيلون كانوا يحكموننا... هدفهم الاستفراد بالسلطة والتمكين... ووجدوا العون من كثير من مؤسسات الدولة...

بقلم سامي بن سلامة، عضو سابق في الهيئة المستقلّة للانتخابات

 لكي تفهموا بعضا من أدوار دائرة المحاسبات والتي لا يمكن إلاّ أن ننعتها بالأدوار القذرة...اقرِؤوا حتّى تفهموا أين كنّا بالضبط...
بعد انتخابات 2011 كنا في الهيئة المركزية للانتخابات نظنّ أنّنا أنجزنا أفضل انتخابات ممكنة من حيث التكلفة ومن حيث النزاهة... وراسلنا تلقائيا دائرة المحاسبات لتقوم بالمراقبة اللاحقة لتصرّفنا الإداري والمالي وتعدّ تقريرها في الغرض...
بدأت المحكمة في المراقبة غير أنّها شرعت في إتيان بعض التصرّفات بغاية الإثارة ولم تتردّد في اتهامنا...أنجزت تقريرا مفبركا بأوامر من رئيس الحكومة آنذاك حمّادي الجبالي وتمّ تسريبه للإعلام. وسمحت لشخص مثل التجمعي السابق والنهضاوي الآن فتحي العيوني ليتّهمنا ويروّج الأكاذيب عنّا في الإعلام الذي فتح له الابواب على مصراعيها.. كلّ هذا لتضربنا وتمكّن النهضة من إحداث هيئة موالية...
نجحت العملية... وانجرّ "الديمقراطيون" في السباب والتهجّم علينا...
هاجمونا وأزاحونا وتعسّفوا علينا وكذبوا في حقّنا ورئيس الدائرة الذي صيغ التقرير المفبرك في مكتبه تمّت ترقيته.. وكمكافأة أصبح رئيسا مديرا عاما للكرامة القابضة كمكافأة ونُصّب وقتها عضوا في الهيئة الوطنية للاتصالات...
ليس هذا فقط...بل لقد أذن رئيس الحكومة بزيادة كبيرة بعد أسابيع قليلة في مرتبات قضاة الدائرة جميعهم...
كان الهدف ضرب مصداقية رئيس وأعضاء الهيئة المركزية للانتخابات وتسهيل تعويضهم بعملاء النهضة... وهو ما نجحوا فيه بمساعدة إعلام غبي وبعضه خاضع للنهضة الحزب الحاكم ..
ماذا حدث بعد ذلك ؟
توجّهت الدائرة لأعضاء الهيئات الفرعية الذين عملوا معنا وهم أناس وطنيون في أغلبهم ومستقلون...وطالبوهم بإرجاع المنح التي أسندتها إليهم الهيئة نظير عملهم ليلا ونهارا لإنجاح الانتخابات... وتعلّلوا في ذلك على أنّهم يحصلون على أجور من الدولة...
يعني يطلبون من موظف أو أستاذ أو معلم أو أستاذ جامعي أن يرجع منحة أُسندت إليه بصفة قانونية مقابل عمل أدّاه في الانتخابات في فترة راحته السنوية أو عطلته الصيفية... أناس عملوا في الليل والنهار وفي ظروف صعبة للغاية (جويلية- أكتوبر)... شجّعتهم الهيئة بإسنادهم منحة تشجيعية...اعتبرتها الدائرة منفعة تم الحصول عليها من غير وجه حقّ...
وحسب هذا المنطق الاخرق فإنّ العاملين أثناء الانتخابات يجب ألاّ يتقاضوا شيئا عدا أجورهم الاعتيادية والحال أنّ الدائرة تعرف أنّه من دون منحة لن يتقدّم أحد للإشراف على الانتخابات طيلة تلك المدّة اللهم إذا حصلوا على منح سرّية من أحزاب لاختراق الهيئة والهيئات الفرعية والسيطرة على النتائج...
المهم أنّهم وجّهوا لكل من تقدّم للعمل في الانتخابات ضربات موجعة يعانون منها إلى اليوم... وفبركوا لهم قضايا وصدّروا ضدّهم بطاقات إلزام وخصموا لهم تلك المبالغ رغما عنهم من أجورهم..
الهدف من هذا الكل... كان أن يمتنع كل شخص مستقل أن يتقدّم للعمل مع الهيئة...وهو ما حصل فعلا لاحقا...
وبهذه الطريقة مهّدت دائرة المحاسبات السبيل لاختراق الهيئات الفرعية بأعوان النهضة لأنّ لا أحد  بعد يملك عقلا سيترشح للهيئات الفرعية...فخلا لهم الجوّ...
مع العلم أنّ هذه الدائرة التي عمل عناصر منها في فريق تابع للهيئة لمراقبة الحملة الانتخابية قد اشترطوا منحا وساعات إضافية من ميزانية الهيئة وتحصّلوا عليها (ولدي نسخ من الفاتورات)...لكن في تقريرهم وقتها احتجوا كيف يتحصّل موظفو الهيئة من الشباب على منح مقابل الساعات الإضافية...وفي منطقهم يجب أن يعملوا إلى الفجر مجانا...
كما احتجّوا على اختفاء كمبيوترات على ملك وزارة التربية من مكاتب التسجيل وعملوا منها موضوعا لتشويه الهيئات الفرعية...وغير ذلك من الحكايات المفتعلة...رغم أن أعضاء الدّائرة يعلمون أنّ وزارة التربية قد سلمت الحواسيب إلى الكتاب العامين للبلديات وليس للهيئة...فزمن تسليمها لم تكن هناك هيئات فرعية أصلا وما زالت لم تتشكّل....في حين أنّ مفاتح المكتب الذي وضع على ذمّة فريق الرقابة التابع للدّائرة في مقر الهيئة المركزية  ظلّ حكرا بأيديهم...وقد تمّ تمكينهم من Vidéo projecteur  على سبيل الإعارة وهو الوحيد المتوفّر لدى الهيئة ليختفي بعد ذلك مكتفين بأنّهم لم يعثروا عليه...ولا أدري هل أدرجوه في تقريرهم أم لا...
لدي مئات الحكايات من هذا النوع والتي فبركت لإرضاء نظام النهضة...
هذه الدائرة لعبت دورا مشبوها...ولكنّي لا أعمّم ففيها قضاة وطنيون وشرفاء ساعدونا وقتها وأفهمونا ألاعيب البعض...
لذا لا أستغرب ما قاله صديقي زكي الرحموني عضو الهيئة السابق في التلفزة الوطنية من أنها دائرة مصاحبات وليس محاسبات...
والمطلوب اليوم مراقبة محكمة المحاسبات... وإجبارها على إصدار أحكام وفق الفصول 98 و163 من القانون الانتخابي الذي يعطيها وحدها سلطة إسقاط القائمات المخالفة والتي صعدت إلى البرلمان...
وهي لم تسقط أيّ قائمة ممن أتوا جرائم انتخابية... وظلّت تناور وتقدّم معلومات خاطئة إلى الرأي العام...
بينما لم تتبّع إلاّ القائمات المستقلة والتي لم تسعفها الانتخابات بالحصول على مقاعد في البرلمان ولم تحصل على تمويل عمومي..وسلطت عليهم خطايا مهولة بمئات الملايين...عقابا لهم على الترشّح...وطبعا نفس الأسلوب لا يصبّ إلاّ في صالح النهضة ليخلو لها الجو ويترشحوا هم فقط أو من يدور في فلكهم....
ردّدت هذا الكلام منذ 2012 ولكم أن تعودوا إلى تصريحاتي في الإعلام وإلى تدويناتي...
ملف هذه المحكمة يجب أن يفتح...ومعه ملف المحكمة الإدارية وطبعا ملفات القضاء العدلي...لأن القضاء المتحالف مع النهضة للأسف كان من أهم أسباب الخراب وانتهاء مسار الانتقال الديمقراطي.


الاراء الواردة في هذا المقال لا تلزم الا كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي " الشعب نيوز"