وطني

رأس المال ركن يكتبه طارق السعيدي : أجير على القياس

 رأس المال ركن يكتبه طارق السعيدي : أجير على القياس

يحتسب الأجر التونسي على أسس لا يعلمها إلا الله فلا أحد يعرف كيف استنبطت ‏الدولة التونسية قيمة الأجر الأدنى الذي يساوي 540 دينار إثر الزيادة الأخيرة. ولا ‏أحد يعلم كيف تمّ احتساب أجر الأستاذ والمعلم والقيم والطبيب والمهندس ‏والصّحافي والجامعيّ والموظف عموما وكلّ المنكودين الذين قُدّر لهم العمل في ‏الوظيفة العمومية أو في وظائف القطاع الخاص.

ولا أحد يعلم كيف فكّر وتدبّر ‏هؤلاء الذين يحدّدون لنا أجورنا وهو يقرّرون ما نستحقّه لقاء شهر من العمل. ‏ولماذا اختارت الدولة التونسية أن تجعل إطارات الإدارة على خطّ التماس مع ‏الفقر وان تغمس رأس البقية من الأجراء في أوحال الخصاصة.

غير أن الثابت ‏والأكيد أن الأجر الذي قُدَّ بغير روح، قد خضع لمصادرات جاهزة حول الأجير. ‏هذا الأجير الذي تخيلوه، يجب أن يكون سليما معافى ولا يمرض، قنوعا ولا يأكل ‏إلا لسدّ الرمق، مكتفيا فلا يلبس غير ما ستر، وقانعا لا تأخذه أهواؤه إلى التفكير ‏في رحلة إلى البحر صيفا أو نزهة نهاية الأسبوع والعياذ بالله.

كما يفترض في ‏الأجير، حسب من أعدّوا الأجر واستنبطوا قيمته، أن يكون رياضيا ممشوق القوام ‏قادرا على النهوض في الصباح الباكر وممارسة رياضة ركوب الحافلة الصفراء. ‏فهذا الأجير الذي يلامس خطّ الفقر يجب أن يحتمل التقشّف العام ويقدر عجز ‏الدولة عن توفير النقل العمومي المريح.

يفترض في الأجير، أيضا، العزلة ‏والانكماش وعدم زيارة الأهل والأقارب ولا حضور الحفلات والزواج وان كان ‏لا بدّ، فلا حاجة له لتقديم المساعدة والعون. وينبغي للأجير أن يكون حامدا شاكرا ‏فضلَ الله ونعمة العمل، وأن لا يرهق نفسه بالتفكير في السياسات العامة او الزيادة ‏في الأجور. والاهم من كل ذلك أن يكون ذكيا متدبّرا حكيما متصرّفا قادرا على ‏ادخار بعض المال فلا يزعج الحكومة بطلباته وقت الأزمات.

وفي حال عدم توفر ‏جملة هذه الشروط في الأجير، فلا يلومَنَّ إلا نفسه فالدولة لا تعطيه أجرا لممارسة ‏هواية المرض، ولا دخل لواضعي سياسة الأجور في الترفيه أو الفرح ولا دخل ‏لهم في دراسة الأبناء والبلاء الأزرق المترتّب عنه فقد حدثهم علمهم وفقههم أن ‏الأجر يكفي.

ربي يهدي و"اذاكا هو".‏