"صفقة الجولاني- عبدي جاءت بمباركة أمريكيّة وعمّدت بدماء "علويّة

الشعب نيوز / خليفة شوشان - لا شكّ أنّ توقيع صفقة اتفاق بين الجولاني وعبدي المعلن عنها مساء امس الاثنين بمباركة أمريكيّة ما كان لها أن تتمّ لولا دماء شهداء أبناء الساحل السوري من "العلويين"، ولولا ضغوط الادارة الأمريكية التي اضطرّت الجولاني وداعميه وبالأخصّ التركي والقطري وبدرجة ثانية الراعي السعودي الخليجي للتنازل صاغرين والقبول بشروط "قسد" التي ما كانوا ليقبلوا بها وخاصة الجانب التركي لولا حالة الانكشاف الأخلاقي والقيمي الذي عاشته سلطة الجولاني اثر الجرائم الطائفية المروعة التي ارتكبت بدم بارد ضد المكون العلوي في الساحل السوري. جرائم طائفية مقرفة لم ينفع معها الانكار والتزييف والتضليل لتفضح طبيعة حكم الجولاني الإرهابية التي لم تنجح ثلاثة أشهر من محاولات تهجينه مدنيّا وتجميله سياسيا وتسويقه عربيا وإقليميا ودوليا ولا الدعاية الإعلامية له في منع انكشاف أكثر وجوهه الإرهابية بشاعة في ثلاثة أيّام اوغل فيها وميليشياته في دماء السوريين.
من الواضح إذًا أن هذه الصفقة/الاتفاق التي جاءت إثر الإدانة الدولية الواضحة لمجازر الساحل والتهديدات الأمريكيّة، واستباقا لاجتماع مجلس الأمن في الساعات القليلة القادمة، وبقطع النظر عن بنودها القابلة للانقلاب عليها بحسب ما تقتضيه مصالح الموقعين، كانت تنازلا اضطراريا من الجولاني وداعميه للتغطية على جريمة التطهير العرقي الإرهابيّة التي اقترفتها الميليشيات الإرهابيّة المقنعة والمتخفية وراء المؤسسة الأمنية والعسكريّة المفترض أنها تمثل الدولة السورية بجميع مكوناتها، ولتجنّب التهديد الأمريكي والدولي باستصدار قرار إدانتها وتوقيع العقوبات على مرتكبيها في مجلس الأمن ينضاف الى ادراج الجولاني وهيئته في قائمة التنظيمات الارهابية، ويعزز الحصار المفروض على الدولة السوريّة. لكن ومهما كانت الأسباب التي تقف وراء هذا الاتفاق/الصفقة الذي جاء مفاجئا لأنصار الجولاني والكثير من داعميه وهم بعد يعيشون تخميرة "انتصار العار" على دماء المدنيين العزل في الساحل ويهدّدون بقية المكونات ب"النفير العام" و"الجهاد" لإذاقتهم ما ذاقه أهل الساحل من أجل إخضاعهم "لدولة اللون الواحد" الطائفيّة، ويروجون من وراء قنواتهم الداعمة وبقية منصات التواصل الاجتماعي الطائفية لتورّط "قسد" وتآمرها في أحداث الساحل لإسقاط "حكومة السنّة" و"دولة الأمويين" كما يسمونها، ويعتبرون المكوّن الكردي العدوّ الرئيسي للسلطة القائمة بعد المكوّن "العلوي" وذلك اتساقا وترويجا ببغائيا عرقيّا للدعاية التركية العثمانيّة والإخوانيّة ضد الأكراد والتي جسّدتها فعليا وعلى أرض الواقع وفي أكثر أشكالها عدوانية "غزوة" ميليشيات "العمشات" و"الحمزات" و"جماعة سلمان شاه" وبقية التشكيلات الإرهابية المنضوية تحت ما يسمى "الجيش الوطني" من مرتزقة تركيا على الساحل السوري، والاشتباك المستمر لسنوات في شماله مع "قسد".
لا شكّ أن هذا الاتفاق المغمّس بدم الأبرياء مثّل وتحت ضغط الأمريكي الذي يملك أغلب أوراق الضغط على الموقعين الجولاني وعبدي تنازلا موجعا وتجرعا للسمّ من الجولاني الذي لطالما حرص منذ وصوله الى دمشق على التمكين له ولجماعته من مفاصل الدولة واحتكار الحكم لنفسه ولتنظيمه المستقدم من ادلب، ومن المؤكد أن هذه الخطوة ستتبعها دون شكّ تنازلات متسارعة في الأيام القادمة سياسيا وعسكريا. ولا شكّ أنّ الانعطافة السياسية "واتفاق المضطرّ" الملاحق وجماعته بعار الارهاب والدمّ يعتبرا تطورا مهما في الأزمة السوريّة من شأنه إذا ُثبّت فعليا ولم تعصف به الحسابات التركية الاوردغانية أن يغيّر اتجاهات الأحداث في الملعب السياسي السوري ويقلب الطاولة على عديد اللاعبين والمؤثرين في المعادلة السورية داخليا وخارجيا. كما أنّ هذا الاتفاق يمثّل فرصة للشعب السوري لالتقاط أنفاسه بعد صدمة سقوط النظام غير المنتظرة واستعادة المبادرة الفاعلة لبناء مقومات النهوض الحضاري وتجنّب سيناريو الانجرار نحو الحرب الأهليّة والوقوع في شرك التقسيم وتفكيك الدولة.
وفي ظلّ غياب بدائل سياسية وطنية مدنية ديمقراطيّة حقيقية بعيدا عن فوضى السلاح والارهاب والميليشياوية السائدة، ومبادرات مواطنية جديّة تتبناها قوى وطنيّة تقدميّة سوريّة متجذرة شعبيا ومتصالحة ومتسامحة مع اختلافها وتنوعها ومتجاوزة لارثها الدموي ومتعالية عن الطائفية والعرقيّة -وهي للأسف لم تتشكّل بعدُ- يبقى هذا الاتفاق/الصفقة خطوة أولى للتهدئة في "مسيرة الألف ميل" لاستعادة الدولة السورية المختطفة من القوى الإرهابية والمرتهنة للمطامح الإقليمية والدوليّة والمستباحة من العدوّ الصهيوني. نعم لا تزال امكانيّة استعادة سوريا لأبنائها ليقرّروا بكل حريّة ودون ضغوط أو تدخل أو إكراه داخلي إرهابي طائفي أو خارجي يملي أجندات هيمنية ما يرونه مناسبا لهم ولمستقبل أبنائهم وتجاوز جراحات الماضي في ظل دولة موحدة سيدة ديمقراطية وجامعة لكل مكوناتها ممكنة رغم صعوبتها والطريق الشاق دونها.
أخيرا نتمنّى -وماذا نملك غير الأمنيات- ألّا تكون هذه الصفقة-الاتفاق مجرّد مناورة من الجولاني ومشغّليه لامتصاص حالة الاستياء الشعبي السوري والدولي بعد المجزرة الطائفية الإرهابيّة الهمجيّة، أو مجرّد فرصة للمكون الكردي لاستثمار ضعف الحكم وتحسين شروط تموقعه ولتجنب الضغط التركي، تدار على حساب بقيّة المكوّنات السوريّة وبالأخصّ أضعفها وأكثرها هشاشة المكوّن العلوي.