رحيل كافون : غنّي على الهامش فصارت اغنيته مركزا

وسام السعيدي يكتب : رحل كافون، ذلك الذي لم يكن فقط أحمد العبيدي، بل كان بأكمله أغنية مكتوبة على جدار قديم، أو وشوشة طفل يبيع مناديل في مفترق طرق.
كان صوته كحذاء مهترئ يمشي بثبات وسط العاصفة... كأنفاس حي شعبي يرفض أن يموت.
ولد في الزحام، في الظلّ، بين أزقّة لا تصلها الشمس ولا الكاميرات.
لكنه صعد كالسهم، لا بحظّ ولا بوساطة، بل بنبض الحوّمة.
أغنيته "حوماني" كانت نشيدًا غير رسميّ للمقصيين، لضحايا "التوزيع العشوائي للعدالة".
لم تكن موسيقى فقط... بل كانت صفعة، ودمعة، ونداءً في ليل تونس الطويل.
كان مهمشًا، لكنه لم يطلب صدقة، بل طلب وطنًا.
كان مقطوع الساقين، لكنه جرى خلف الحلم أسرع منّا جميعًا.
كان مشاكسًا، طيبًا، حادًا، وحالمًا... فنانًا لا يعرف نصف الحبّ، ولا نصف الثورة.
لم يكن مشروع نجم، بل مشروع وعي.
يرتدي الكلمة كدرع، ويزرع في كل بيتٍ سؤالًا:
من قال إن من في الأطراف لا يملكون قلبًا واسعًا بحجم الوطن؟
الآن، صمت الصوت.
لكن الأغنية ما تزال تسير في الأزقّة،
ما تزال تطرق الأبواب الخشبية القديمة،
وتهمس في أذن كل شاب حالم:
"غنِّ... ولو بصوتٍ مبحوح، فالمستقبل للأصوات التي لم تُسمع بعد."
وداعًا أحمد، يا من علّمتنا أن الحوّمة، إن صدقت، تصير وطنًا.
"لم يكن أحمد العبيدي فنانًا فقط، بل كان مرآة صادقة لوطن مكسور يبحث عن نفسه في عيون المهمشين.
غنّى من الهامش... فصارت أغنيته مركزًا لا يُنسى."