وطني

لان الأسعار ارتفعت بـ21 %   : الزيادة في الأجور مطلب عادل وضرورة اقتصادية حتمية

تونس/ الشعب نيوز - في ظل الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه تونس حاليا، تعود مسألة الزيادة في الأجور لتتصدر كل نقاش، اقتصادي أو اجتماعي) جاد حول مستقبل البلاد. كما يعتبرها البعض عبنا على الدولة والمؤسسات أو مجرد مطلب فئوي،  لكن الحقيقة أبعد من ذلك فالأجر العادل ليس منة، بل هو ركيزة أساسية لبناء مجتمع متماسك وكذلك محرك أساسي الاقتصاد سليم ومستدام.

أولاً: الأجر العادل أساس الكرامة الإنسانية والتماسك الاجتماعي

لابد من التأكيد ان الأجور ليست مجرد أرقام في الميزانيات، بل هي قصة كرامة إنسان، فالأجر هو أداة أساسية تمكن العامل من تلبية احتياجاته الأساسية وتأمين حياة كريمة له ولأسرته. وتأكل الأجر بفعل التضخم وغلاء المعيشة لا يتسبب في تراجع القدرة الشرائية فقط بل يتأكل معها شعور المواطن بالأمان والانتماء

ولا بد من الإشارة إلى أنه في تونس ومنذ إمضاء آخر اتفاق، في سبتمبر 2022، ارتفعت كلفة القفة المتوسطة للمواطن ب 21 % في جويلية 2025. وتجاوز مؤثر المواد الغذائية 28 % .

وقد قابل ارتفاع الأسعار فشل الاقتصاد في تحقيق نسب نمو محترمة تمكن من تقليص البطالة التي بقيت في نفس المستوى المرتفع المسجل في سنة 2022 أي في حدود 15.3 %

إن الحفاظ على قدرة شرائية لائقة هو صمام الأمان الاجتماعي الأول، إذ يضمن للعامل لا فقط قوت يومه، بل القدرة على التخطيط للمستقبل. وتعليم أبنائه، والحصول على رعاية صحية مقبولة. إن تجاهل هذا الحق الأساسي يخلق حالة من الإحباط والقلق الاجتماعي، ويوسع فجوة التفاوت، ويهدد السلم الأهلي على المدى الطويل.

فالعقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن يقوم على أساس أن العمل الجاد يضمن حياة كريمة، وزيادة الأجور هي تجسيد عملي لهذا المبدأ.

ثانيا: الأجور هي المحرك الأساسي لعجلة الاقتصاد

من منظور اقتصادي بحت، يعد الركود في الأجور وصفة مؤكدة لركود الاقتصاد بأكمله، فالاقتصادات الحديثة تعتمد بنسبة كبيرة على الطلب الداخلي، والمحرك الرئيسي لهذا الطلب هو استهلاك الأسر الذي يمثل الشريحة الأوسع في المجتمع.

يمكننا تصور الأمر كدورة اقتصادية متكاملة:

1.  زيادة الأجور: ترتفع القدرة الشرائية للعمال والموظفين، مما يزيد من حجم الأموال المتاحة للإنفاق.

2.  تحفيز الطلب: يتوجه هذا الإنفاق مباشرة إلى الأسواق الشراء السلع والخدمات من المواد الغذائية إلى الملابس والأجهزة، مما يخلق طلبا حقيقيا ومتزايدا

3.  تنشيط الإنتاج: استجابة لهذا الطلب، تقوم المؤسسات والشركات بزيادة إنتاجها وتوسيع خدماتها لتلبية احتياجات السوق.

4.  خلق فرص عمل التوسع في الإنتاج يتطلب بالضرورة توظيف المزيد من العمال والفنيين ، مما يساهم بشكل مباشر في مكافحة البطالة.

وبعبارة أخرى، فان الأجر العادل لا يمكن اعتباره تكلفة، بل هو استثمار يعود بالنفع على المؤسسة نفسها وعلى الاقتصاد الوطني ككل، فالقوة العاملة التي تعاني من ضعف الأجور هي في الوقت ذاته سوق استهلاكية ضعيفة وغير قادرة على شراء المنتجات التي تصنعها.

ثالثا: الحوار الاجتماعي هو الطريق نحو حلول مستدامة

إن الاعتراف بأهمية زيادة الأجور لا يعني فرضها بشكل عشوائي بل يتطلب آلية حكيمة ومسؤولة تضمن التوازن بين حقوق العمال واستدامة المؤسسات الاقتصادية، وهذه الآلية هي الحوار الاجتماعي. يجب أن يكون التفاوض الدوري والجدي بين الأطراف الاجتماعية الثلاثة، الحكومة، أصحاب العمل، والنقابات العمالية، القاعدة وليس الاستثناء. هذا الحوار المسؤول يهدف إلى ربط مستويات الأجور بمؤشرات موضوعية مثل نسبة التضخم للحفاظ على القدرة الشرائية ومعدلات نمو الإنتاجية المكافأة الكفاءة والمساهمة في النمو .

الازمات أكثركلفة

إن تجاهل هذا الحوار أو تأجيله لا يؤدي إلا إلى تراكم الاحتقان الاجتماعي واندلاع الأزمات التي تكون كلفتها أعلى بكثير على الاقتصاد والمجتمع.

خلاصة القول، إن النظر إلى زيادة الأجور كحق إنساني وضرورة اقتصادية هو الطريق لبناء نموذج تنموي عادل ومستدام. إنه استثمار في المواطن باعتباره أغلى ثروات الوطن والضمانة لخلق دورة اقتصادية مزدهرة يستفيد منها الجميع من العامل البسيط إلى أكبر المؤسسات، وصولا إلى الدولة التي تجني ثمار الاستقرار والنمو.

  • نشر في الشعب الورقية الصادرة بتاريخ 21 أوت 2025.