ثقافي

قصيدة لـــن ننكسر... للشاعر هشام الورتتاني

تحيّة خاصّة إلى كلّ أحرار قطاع غزّة...   

مرّة أخرى يعود الشّاعر هشام الورتتــــاني من خلال هذه القصيدة "حنين على عتبات الغياب" ليحملنا إلى حيث يُزهر الأمل ويبتسم الوجع...وقد صيغت على غرار معظم قصائده وفق خصائص شعر التّفعيلة وبالتّحديد على إيقاعات البحر المتقارب، وهي عبارة عن نافذة مفتوحة على صرخة الرّوح ونهجا يمشي فيه الشّاعر على حدّ السّيف متوازنا بين غنائيّة القلب وصرامة الرّؤية...

حنين على عتبات الغياب...

على سطح بيت ملاه الصّدى

وولّف فيه الحمام

حذاء قديم وذكرى

وعُشّ عصافيرَ وَلْهَى 

تَحِنُّ إلى العابرين...

ونافذة من زمان الوليد

تُطلّ على القدس والغائبين،

تُطيل التّأمّلَ في الذّكريات

وتَرْنو إلى شَجَرِ اللّوز

أبْيَضَ أبْيَضَ

سَيَّجَهُ السَّرْوُ والسَّنْدِيان،

على السّطح طيْفٌ

يُردِّدً في الأُغْنيات

وأنّاتُ نايٍ حزين يُجيد الأنين،

يُجيدُ الحنين... 

ونَجْمٌ شريد جفاه الغياب

وضاقَتْ عليه الدّروب

فمنَّت عليه السّماء بخِلّ

تَورّط مِثلَه بالإنتماء

وصارا معا في طريق ملاه الضّباب

إلى خيْمة في جنوب الجنوب

دَمَى جُرْحُها وانْكَوَتْ بالّلهيب وفَقْدِ الحبيب

ونادَتْ إلى الله

ربّي أَجِرْنا

وخَفِّفْ على الصّابرين...

وكُنْتُ أنادي (دَمِي وَرَمادي)

وأَرْسُمُ وشْما على مَتْن جُرحي،

يُدوّن ما خلّفَتْه السّنين...

وأَصْرُخُ يا ليلُ قُلْ لي مَتى 

وأمْضي وحيدا أَجوبُ المدى

كظلٍّ ظليل...

أَصُّبُّ وأَقْطُرُ فوق الثّرى

وأعْبُرُ نابلسَ حتّى الخليل 

ويافا وحيفا وعكّا وغزّة

وبيْسان والقدس والنّاصِرة

وأدعو السّماء بقلب جريح

خُذي مِنْ دَمِي جُرْعَةً واسْكُبيها

على الأرض كَيْ تَسْتَكين،

وصُبّي وصُبّي على الصّخْر حتّى يلين...

خُذي مِنْ دَمِي قَطْرَةً واجْعليها رِداءً

لطفل تَجَمّدَ في حضْن أُمِّهِ 

مِنْ وَخْزَةِ البرد أو طعْنَةِ الخائنين...

خُذي بيدي واجْعليني أُعانِقُ أمّا

تزُفّ إلى الأرض وعْدا

وتَمْضي وفي القَلْبِ آهٌ وعيد

وبين يديها رسائلُ لَوْمٍ

إلى أمّة نَكَثَتْ باليمين...

خُذيني إلى الدّربِ حُرّا وفادي

لِمَنْ في الطّريق ينادي (دَمِي وَبِلادي)

ويَدْعوكِ باسم الشّهيد وجُرح الوريد

خُذيني إليكِ إلى أن يَحِينَ الرّجوع إليكِ

إلى أن يَحِين...

على السّطْح دهرٌ مِنَ الإبتلاء

وآهاتُ شعب يُداري الوَجَعْ

يُداري الفَزَعْ

و جُرْحٌ وقُرْحٌ 

وصَوْتٌ خفيف

صبيّ مُسَجّى على العتبات

يئنُّ ويَصْرُخُ أيّوبُ مات

أيّوبُ مات...

ودمعةُ شيخ كفيف، تألّم من شدّة البُعد والإنتظار

وخطَّ الزّمانُ على باب داره قصّةَ عشقٍ،

أغار عليها الحصار...

فصارت كَمَنْ بُتِرَتْ ساقها في أقاصي الجنوب

تَئِنّ وتَمْشي على منْكبَيْها

وبين يديْها وصيّة نار

إلى مَنْ سَيولَدُ تَحْتَ الرُّكام

تحيّة روح تُحلَّقُ فوق الغمام

وبعد،

لقد فاجأتْني المنيّةُ هذا المساء

نَزَفْتُ، نَزَفْتُ وجَفّت جُروحي وأسْلَمْتُ روحي

وأوْدَعْتُ ساقي بِدِيرِ البَلَحْ

وها أنّني في الطّريق إلى حضْن من علّمَتْني الفرحْ

أُوَدِّعُ دَرْبا طويلا وجِسْما دَمَى وانْجَرَحْ

وأوصيكَ بالأرض خيرا وبِي

فَلَمْلِمْ رُفاتي ودَوِّنْ وفاتي وخَبِّر أبي

وضَمِّدْ جراحَك واطْلقْ جَناحَكَ... باسْم النَّبيّ

وصلّي معي لربّ الوجود

وغنّي وغنّي (غدا سنعود)

ونادي إلى مَنْ يُجيب

إلاهي الحبيب

أذِقْنا من الحقّ يوم اليقين،

وهَبْنا على الأرض نصرا مُبين...

على السّطح كُنْتُ أنا والحمام

نُصلّي لربّ المقام

لِمَنْ لا ينام

ونُلْقِي على القدس أحلى سلام

سلام عليك سلام إليك

مِنَ القلْبِ مِنْ شُرُفات الحنين...