حل أزمة التعليم لا يتم بإقصاء كافة العاملين بالمؤسسة التربوية وتهميش دور النقابات

الشعب نيوز/ باقلام النقابيين - لا يخفى على أحد أن تونس تعيش اليوم أزمة عميقة في قطاع التربية والتعليم، أزمة لم تعد تقتصر على البنية التحتية المهترئة، أو المناهج البالية، أو تدني جودة التكوين، او تردي الوضع المادي للإطار التربوي بل تتجاوز ذلك إلى غياب رؤية استراتيجية وطنية تجعل من التعليم خيارًا محوريًا في المشروع التنموي للبلاد. وقد أدى هذا الغياب إلى تدهور مكانة المدرسة العمومية، وتراجع الدور الريادي الذي كانت تلعبه في ترسيخ قيم المواطنة والعدالة الاجتماعية .
لكن الأخطر من ذلك هو ما نشهده اليوم من سياسات ممنهجة تستهدف ضرب الحق النقابي، ورفض الحوار الجدي مع الفاعلين الاجتماعيين، وشيطنة العمل النقابي، وكأن حل أزمة التعليم يمكن أن يتم بإقصاء صوت المعلمين والأساتذة وكافة العاملين بالمؤسسة التربوية وتهميش دور النقابات …
لطالما كان التعليم في تونس خيارا وطنيا وأحد أعمدة بناء الدولة الوطنية الحديثة بعد الاستقلال، ومصعدا اجتماعيا ورافعة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية . لكن، مع تعاقب الحكومات وتضارب السياسات، تحوّل التعليم إلى عبء في نظر البعض، تُطرح مشكلاته من منظور الكلفة المالية، والقطاع غير المنتج …لا كاستثمار طويل المدى في الإنسان والمجتمع.
وقد غابت عن السياسات العمومية الرؤية الواضحة لإصلاح هذا القطاع بشكل جذري، إذ تمّ الاكتفاء بإصلاحات ظرفية لا تستجيب لحاجيات البلاد ولا لطموحات شبابها ولا للمتغيرات العالمية في المجال التقني والرقمي، بل عمّقت الأزمة أكثر، وجعلت التعليم ينفصل شيئًا فشيئًا عن سوق الشغل، وعن واقع المجتمع وتطلعاته وبات التعليم الخاص،يُقدَّم كبديل غير متكافئ، يغذي الفوارق الطبقية ويعمّق أزمة التعليم العمومي..
إن ما تحتاجه تونس اليوم ليس مجرد خطة ترقيعية جديدة بل المطلوب بلورة عقد اجتماعي جديد حول التعليم، ينبني على حوار وطني واسع وشامل تشارك فيه كل الأطراف: الدولة، النقابات، المجتمع المدني، والفاعلون في الحقل التربوي.
هذا العقد يجب أن يضع التعليم في صدارة الأولويات الوطنية، باعتباره قضية سيادية واستراتيجية، لا ملفًا ثانويا. عقد يعترف بالحق النقابي كحق دستوري ومشروع، ومضمون في الاتفاقيات الدولية لا تهمة تُلوّح بها السلطة كلما طُرحت مطالب مشروعة.
إنّ ما يحدث اليوم من رفض للتفاوض الجاد، وتعليق للمفاوضات القطاعية، وشيطنة للعمل النقابي في الخطاب الرسمي والإعلامي، لا يخدم المصلحة الوطنية، بل يزيد من تعقيد الأزمة، ويدفع نحو التصعيد والاحتقان. فالنقابات ليست طرفًا معرقلًا، بل شريك حقيقي في الدفاع عن المدرسة العمومية، وعن كرامة المربّي، وعن مصلحة التلميذ.
إن الديمقراطية لا تكتمل دون احترام الحق النقابي، وحق التعبير وحقوق المواطنة. ومن يتصور أن بإمكانه فرض إصلاحات من فوق وأحادية الجانب ، أو عبر القمع وتكميم الأفواه، فإنه يجهل طبيعة المدرسة التونسية، وروح المربي التونسي، وتاريخ البلاد الذي كُتب جزء كبير منه في ساحات النضال النقابي.
الرهان الحقيقي يتطلب استعادة الثقة، وإرساء شراكة حقيقية، والكف عن السياسات التسلطية التي لا تنتج إلا مزيدًا من التوتر. فالتعليم لا يُصلح بالأوامر، بل بالتشارك الحقيقي على قاعدة الخيارات والمشاريع التي ترتقي بالوضع المادي للإطار التربوي ووضع المنظومة التربوية عامة… ولا يُبنى المستقبل إلا على أسس العدالة وتكافؤ الفرص.
عودة مدرسية موفقة لكافة الاطار التربوي
سهام بوستة