وطني

ميزانية 2026:  الاقتصاد الحقيقي هو الذي سيدفع ثمن تسبيقات البنك المركزي

الشعب نيوز/ اقتصادي - إن الحديث عن استدامة الدين بالأرقام الاسمية وحدها يخفي مشكلة أعمق تتمثل في تأكل القدرة الحقيقية للدولة من خلال تراجع قدرتها الشرائية لإيراداتها ويزداد بالتالي ضغط النفقات الأساسية (أجور، تحويلات استثمارات البنية التحتية)،

 ومع اللجوء المكثف للسوق المحلية القصيرة الأجل، يصبح أي رفع لنسب الفائدة مكلفاً وهكذا يتحول "الدواء المسكن"، إلى سبب إضافي للمرض: تضخم أعلى، سعر صرف أضعف، ثقة أقل، ونمو أبطأ. وحين تشفط السيولة إلى سندات الدولة وأدوات البنك المركزي. تتراجع مصادر تمويل الاستثمارات الخاصة وتتزايد قيود التوريد وتتعطل مدخلات الإنتاج وتؤجل الصيانة والاستثمار العمومي.

والنتيجة الطبيعية لكل ما سبق هي نمو ضعيف، ما يعني موارد أقل في المستقبل بمعنى العودة مجددا إلى الحلقة المفرغة من خلال الاعتماد على سياسة التحويل "الصفري" ومزيدا من الكلفة الخفية وبالتالي ضغوطا أكثر على الاقتصاد الحقيقي.

وبالتوازي مع ما سبق فقد سجلت تونس خلال السنتين الاخيرتين عجزا جاريا في حدود 20% من الناتج الداخلي الخام أي حاجة سنوية إلى عملات أجنبية تعطى إما بالاستثمار الخارجي أو الهبات أو أيضا بالدين. وفي حال لم تكتب هذه التدفقات، فإن ديناً خارجياً جديداً سيعمق الأزمة أو سيخلق ضغوطا على احتياطي العملة الأجنبية وسيضيف مزيدا من الهشاشة على سعر الصرف. وسيرفع فاتورة خدمة الدين بالعملة الصعبة بمعنى أدق فإن حل التسبيقات الصفرية داخلياً لا يمكنه معالجة أصل المشكلة الخارجية

ان خيار التسبيقات الصفرية قد تشتري الوقت ولكنها لن تشتري الاستدامة فهي قد تخفف "ألم" الميزانية اليوم، لكنها ستنقل الكلفة إلى البنك المركزي وإلى الأسعار وسعر الصرف كما أنها ستضعف في ذات الوقت قدرة الدولة والقطاع الخاص على الاستثمار.

وإن أردنا سياسة تحمي الحاضر وتؤمن المستقبل فالمعادلة بسيطة وتتمثل في تمويل طويل المدى وشفاف وأولوية للاستثمار المنتج، عدا ذلك فإن الاعتماد على المقاربة القائمة على تغييب الحوار الاجتماعي الجاد والمسؤول والسياسات الأحادية الجانب ستجعلنا جميعا تدفع ثمن خيارات الحاضر والاتي دون استثمار وأمل وثقة في المستقبل.(انتهى)

د. عبدالرحمان اللاحقة

استاذ محاضر بالمعهد العالي للتصرف بتونس

* من مقال له نشر يوم  الخميس 23 أكتوبر 2025 - العدد 1872 في الشعب الورقية تحت عنوان: التسهيلات المالية للبنك المركزيتمويل يشتري الوقت... ويرهن المستقبل