ثقافي

اضواء على الكمان : تربية الخيول وتجويدها بين الموجود في المؤسسة والمنشود في المركب ومركز فنون الفروسية

وات / ليلى بن إبراهيم -  "الجواد العربي الأصيل في المكناسي من ولاية سيدي بوزيد هو القلب النابض للجهة ..هو جزء من هويتنا وعاداتنا وتقاليدنا وموروثنا الذي لا يمكننا التفريط فيه " هذا ما قاله رضا الغابري مالك ومربي خيول عربية اصيلة.

ويتابع رضا الغابري "هذه الخيول تتمتع بصفات أصيلة مثل الرأس المميز والذيل المرتفع والعضلات القوية التي تجعلها جميلة ومناسبة للسباقات والفروسية"، مبيّنا أنّ خيول المكناسي تمثّل وجهة وطنية وعالمية لعشاق الجواد العربي الأصيل".

لم يكتف الغابري بالحديث عن مميزات الجواد المكناسي إنما رافق أيضا فريق "وات"إلى حقله بجهة المكناسي من ولاية سيدي بوزيد حيث يوجد اسطبل خيوله التي يسهر على تربيتها.

وهناك في مشهد يخطف الأنفاس وقفشاب في مقتبل العمرمربّتا على ظهر فرسه التي تبرق عيناها بالحماس والترقّب حينا والتوجّس حينا آخر من عدسة الكاميرا الموجّهة نحوها تنتظر فارسها لتوجيه حركاتها .

ومع كلّ حركة حازمة يصدرها إليها برفق تتفاعل، تصهل،وتصهل معها بقية الخيول المطلّة برأسها من الاسطبل لتتعالى أصوات الصهيل ويرتفع الغبار وتظهر الحركات القوية واللطيفة معًا في مشهد يبرز عمق الأصالة التي لا تفنى وفن تدريب الخيول في المكناسي.

وفي مشهد ثان عاينه فريق "وات" أرخى الفتى لجام فرسه فاندفعت بجسدها المفعم بالقوّة والرشاقة عبر الحقل المفتوح تحت أشعّة الشمس الذهبية التي زادت جسدها جمالا ولمعانا فتحرّكت بثقة مطلقة روت مع كلّ حركة وخطوة خطتها في ربوع الحقل وكل نظرة وكل إشارة تلقتها من فارسها تفاصيل قصة عميقة عن ثقة متبادلة تحكي نبض التراث وجمال الأصالة.

* بداية تربية الخيول بالمكناسي

بدوره يرى سامي الغابري مدير المهرجان الدولي للجواد العربي الأصيل ورئيس جمعية مربي ومالكي الخيول العربية الاصيلة بالمكناسي أنّ مناخ المكناسي يعتبر ملائماً لتربية الخيول وهو ما اكتشفه المستعمر سابقا عند دخوله تونس الذي أدرك أيضا ان أهالي المكناسي لهم الخبرة في تربية الخيول ولديهم المهارة في ترويضها.

وأوضح أنّ بداية تربية الخيول العربية وعصرنتها، أدركها المستعمر عند دخوله إلى تونس بعد دراسة شاملة لها ليتشجع ويستثمر في تربية الخيول بالمكناسي مستعينا بالمناخ المشجع لهذا النوع من التربية ومستفيدا من خبرة ومهارة الأهالي في تربيتها أي منذ سنة 1911موضّحا أنّ المستعمر الفرنسي منذ سنة استورد بعض الخيول من سوريا وأحدث اسطبلا بالجهة سنة 1911 لتكون المكناسي النواة الأولى في تربية الخيول في تونس ككلّ.

وقال إنّه تمّ الاستثمار آنذاك في ميدان تربية الخيل بطريقة عصرية استثمارية وأنّ البناية المتواجدة والمستغلة حاليا من طرف المؤسسة الوطنية لتحسين وتجويد سلالة الخيل المبنية منذ سنة 1911 (اسطبل) ما زالت الى الآن تشهد على تطور وعناية المستعمر وقيمة التمويل التي خصصها لتربية الخيول بالمكناسي.

وبعد الاستقلال قال إنّ الفضل يعود إلى أهالي المكناسي في خصوص المحافظة على تربية الخيول العربية وتعميمها في كامل البلاد التونسية والمحافظة على السلالة الأصيلة و المدونة دوليا بسلالة خيول المكناسي، مبيّنا أنّ شهادة أغلبية المربين الناشطين في هذا المجال والمؤسسة التونسية لتحسين وتجويد سلالة الخيل الشركة التونسية لسباق الخيل خير دليل على دور أهالي المكناسي و كذلك المهرجان الدولي للجواد العربي الأصيل في المحافظة والتشجيع على تربية الخيول العربية الأصيلة.

* نشر ثقافة تربية الخيول

قال سامي الغابري إنّ أهالي المكناسي هم من نشروا ثقافة تربية الخيول في تونس لتنتقل اثرها إلى عدّة مناطق داخل الجمهورية على غرار بن قردان وجرجيس وتطاوين، موضحا أنّ سكّان هذه المناطق كانوا يزورون المكناسي لنقل خبرة اهاليها في تربية الخيول إلى جهاتهم ومؤّكدا في الآن نفسه أنّ اغلبية المدربين في قصر السعيد والمنستير من أبناء المكناسي.

وأوضح أنّ ثقافة تربية الخيول لم تقتصر على الداخل فحسب وانمّا انتشرت على الصعيد الدوليأ يضا خاصة في مجال التدريب مشيرا إلى وجود عدد من شباب مدينة المكناسي يشتغلون في الخارج سواء في الخليج على غرار دبي أو في أوروبا على غرار فرنسا في مجال تدريب الخيول وتربيتها.

كما يذكّر بأنّ المكناسي كانت أيضا النواة الأولى لبعث معرض للخيول العربية الأصيلة بداية القرن العشرين حيث كان يستدعى إليها مشاركون من كافة أنحاء أوروبا ويشارك فيه أهالي المكناسي بعروض الفروسية ومداعبة الخيل بالأزياء التقليدية.

ويرى الغابري أنّ قطاع تربية الخيول في المكناسي كان يحظى بعناية خاصة لوجود مؤسسة لتجويد الخيول تعمل على تحسين السلالات واقتناء الفحول الممتازة الى جانب دعم الهياكل المختصة وتطوير برامج حضور الخيول العربية الأصيلة بالاسواق الخارجية وتكثيف المشاركات في المهرجانات الوطنية والدولية لكنّه اليوم يعاني بعض الإشكاليات التي عاقت تقدّمه في المنطقة وحالت دون المشاركة في المسابقات والحصول على الجوائز كما كان في السابق.

* الإشكاليات

وفي هذا الجانب قال رضا الغابري إنّه فرّط في العديد من الخيول التي كان يملكها بالبيع لأنّه بات غير قادر على تلبية حاجياتها من العلف والتداوي وذلك لعدم وجود الدعم المادّي من جهة ولوجود أزمة في المسابقات من جهة أخرى مستشهدا في هذا الجانب بفرسه "جسرة" التي يعتبرها من أجمل الخيول العربية ويقول إنّها حقّقت الفوز في عديد المسابقات على المستوى الوطني لكنّها لم تتحصّل على قيمة الجوائز التي تحصّلت عليها الشيء الذي جعله يتّخذ قرارا بعدم تشريكها في أي مسابقة لاحقا.

من جهته أشار سامي الغابري إلى أنّ بداية تراجع الخيول ،التي كان لها سابقا مردودية انطلق أواخر التسعينات، كان مع دخول من وصفهم ب"اللوبيات المقربة للسلطة " الذين ، وفق قوله ،استوردوا خيولا من الخارج ليست من الصنف العالي زاحمت الخيول العربية التونسية ولم تكن قادرة على المنافسة في المسابقات الدولية الشيء الذي جعل حصان المكناسي الذي كان يفوز بجائزة الرئيس غير قادر على الفوز منذ سنة 1998 .

وقال إنّ تربية الخيول في المكناسي موروثة عن الآباء والأجداد وانّ أهالي المكناسي ليسوا مستثمرين ومتمسكون بتربية الخيول وتصدّر المشهد رغم الازمة التي تواصلت وتعمقت بعد الثورة وذلك لغياب الدعم وضعف مداخيل شركة سباق الخيل التي كانت تقدّم المنح لمربي الخيول والشركة الوطنية للتشجيع على تربية الخيول التي لم يعد لها إمكانيات ومداخيل وفق تعبيره.

* المقترحات والحلول

في حديثهما عن المقترحات أكّد سامي ورضا الغابري على ضرورة مزيد الاهتمام بالبنية التحتية المهترئة للاسطبل الذي أصبح مهددا بالسقوط رغم ندرة هندسته المعمارية مؤكّدين على ضرورة توفير الدعم لتوسعة الاسطبلات، وتهيئة المركض ومشيرين إلى ضرورة وضع استراتيجية لحماية قطاع تربية الخيول من اندثار.

كما ذكّرا بمشروع المركب الذي لاقى موافقة وزراءالسياحة والثقافة والفلاحة سنة 2019 لكن بقي إلى اليوم حبرا على ورق وأفادا بأنّه مشروع مركز وطني لفنون الفروسية وتربية الخيل تمّ اقتراحه لتعويض الاسطبل الذي فاق عمره 120 وبات من التراث وطني فرنسي تونسي

وقدّما أيضا مقترحات في علاقة بالمؤسسة الوطنية لتحسين وتجويد الخيول، داعيين إلى أن تخصّص إلى الخيول التونسية الأصيلة وتستثنى منها ما يطلق عليها بخيول ال25 وذلك من أجل نتائج أفضل تعيد المجد للخيول العربية المكناسية الاصيلة .