العمل النقابي في مفترق التحولات الجيوسياسية

الشعب نيوز / ضياء تقتق - تواصلت، مساء اليوم الثاني أشغال الندوة الوطنية لقسم العلاقات العربية والدولية من خلال فتح باب النقاشات الفكرية والسياسية حول موقع العمل النقابي في عالم يشهد تحولات جيوسياسية عميقة، وذلك من خلال جلسة فكرية حملت عنوان: «العمل النقابي في مفترق التحولات الكبرى: التحولات الجيوسياسية».
وأدار الجلسة الصحفي والإعلامي محمد اليوسفي، بمشاركة ثلّة من الجامعيين والإعلاميين المختصين، وهم الأستاذ محمد الصغير الزكراوي أستاذ القانون العام، والأستاذ معز السوسي أستاذ الاقتصاد بجامعة قرطاج، والصحفي والباحث في الشؤون الدولية نزار مقني.
الزكراوي: استهداف العمل النقابي في زمن “اللايقين”
في مداخلته، قدّم الأستاذ محمد الصغير الزكراوي قراءة سياسية-قانونية نقدية للتحولات الجيوسياسية الراهنة، معتبرا أن العالم يعيش اليوم مرحلة «لايقين» غير مسبوقة، تتسم بصعود الشعبويات، وتراجع العولمة، واحتدام الصراعات بين القوى الكبرى، وانعكاس كل ذلك مباشرة على سوق العمل وعلى دور النقابات.
وشدد الزكراوي على أن هذه التحولات لا تظلّ خارج حدود الدول، بل تتسلل إلى الداخل عبر سياسات تضييق على العمل النقابي، وتفكيك للأجسام الوسيطة، ومحاولات لتجريم الفعل النقابي تحت عناوين الأمن والاستقرار، محذّرا من أن العمل النقابي في تونس بات يخوض اليوم معركة وجود حقيقية.
وتوقف المتدخل عند ما اعتبره مؤشرات خطيرة، من بينها التضييق الإداري والمالي على المنظمات النقابية، والتهديد بإلغاء التفرغ النقابي، ومحاولات تحييد الحوار الاجتماعي، معتبرا أن إدراج الفصل 15 ضمن قانون المالية يمثّل انقلابا على تقاليد تفاوضية استقرّت في تونس منذ الاستقلال.
وأكد الزكراوي أن المرحلة الراهنة لا تسمح بالفصل بين الوطني والمطلبي، معتبرا أن الدفاع عن الحقوق الاجتماعية يمرّ اليوم حتما عبر الدفاع عن استقلالية العمل النقابي وعن الديمقراطية والحريات العامة.
السوسي: عودة صراع الجغرافيا اثر حقبة صراع سلاسل القيمة
من جانبه، قدّم الأستاذ معز السوسي مداخلة تحليلية معمّقة حول التحولات الجيوسياسية من زاوية اقتصادية، مبيّنا أن العالم يشهد عودة قوية للجغرافيا السياسية، ولكن بأدوات جديدة، في مقدمتها الاقتصاد، التكنولوجيا، الذكاء الاصطناعي، والمعادن الاستراتيجية.
وأوضح السوسي أن الصراع لم يعد يدور فقط حول السيطرة على الأراضي، بل أصبح صراعا على سلاسل القيمة، البيانات، المواهب، والمعرفة، وهو ما يطرح تحديات غير مسبوقة أمام سوق العمل، خاصة في دول الجنوب.
وأشار إلى أن الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي ستؤدي إلى إعادة تشكيل عميقة للتشغيل، عبر تقلص بعض الوظائف التقليدية وظهور أخرى جديدة، ما يفرض على النقابات إعادة التفكير في أدوات التنظيم، وفي أولويات النضال، وفي الحق في التكوين مدى الحياة كشرط أساسي للعمل الكريم.
وأكد أن هشاشة العمل، وتعدد المشغّلين، وانتشار اقتصاد المنصات، تمثل تحديات مركزية أمام العمل النقابي، لكنها في الوقت ذاته تفتح إمكانيات جديدة إذا ما توفرت القراءة الصحيحة والاستثمار في المعرفة والبيانات.
مقني: الاستراتيجية الأمريكية وتفكك النظام الدولي
أما الصحفي والباحث نزار مقني، فقد خصّص مداخلته لتحليل التحولات الجيوسياسية في ضوء الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، معتبرا أن العالم يتجه نحو مرحلة ما بعد القطب الواحد، مع تراجع دور المؤسسات الدولية وتنامي منطق مناطق النفوذ.
وبيّن أن الولايات المتحدة، في ظل إدارة ترامب، لا تتخلى عن الهيمنة بقدر ما تعيد تنظيمها، عبر سياسة «العودة إلى القلعة»، والانكفاء النسبي، والتركيز على الداخل الأمريكي، مقابل إدارة الصراعات عن بعد، خصوصا عبر الأدوات الاقتصادية والعقوبات.
وحذّر مقني من أن هذا المسار يهدد بإفراغ القانون الدولي من مضمونه، ويعيد الاعتبار لمنطق القوة، وهو ما ينعكس مباشرة على الشعوب، وعلى العمال، وعلى الهجرة، وعلى الاستقرار الاجتماعي، خاصة في مناطق الهشاشة.
الاتحاد في قلب الأسئلة الكبرى
في تعقيبه على المداخلات، شدّد منشّط الجلسة محمد اليوسفي على أن الاتحاد العام التونسي للشغل مدعو اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تطوير خطابه وأدواته، والانخراط في معركة الوعي والمعرفة، خاصة في ما يتعلّق بالتحولات الرقمية، والبيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي.
واعتبر أن نجاح بعض القطاعات النقابية في كسب الرأي العام يؤكد أن المعركة لم تعد مطلبية فقط، بل هي معركة تواصل، وتأطير، وبناء سردية اجتماعية مضادة للشعبوية ولخطاب التخوين.
نقاش مفتوح وأسئلة معلّقة
اختُتمت الجلسة بنقاش ثري بين المشاركين والحاضرين، تمحور حول مستقبل العمل النقابي في ظل التحولات الجيوسياسية، وحدود الفعل الممكن، وأهمية التشبيك الدولي، والدفاع عن استقلالية الاتحاد كشرط أساسي للدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وأكدت الجلسة، في مجملها، أن الاتحاد العام التونسي للشغل لا يخوض فقط معارك تفاوضية، بل يجد نفسه اليوم في قلب صراع أوسع، عنوانه السيادة، العدالة الاجتماعية، والعمل الكريم في عالم مضطرب.
تابعوا اخباركم و صوركم عبر الرابط التالي : https://tinyurl.com/achaab-naqaby


