القصص" الفيلم الفائز بجدارة قرطاج "

الشعب نيوز / حسني عبد الرحيم - كان شعور غير عادي عقب مشاهدة فيلم” القصص” بقاعة الأوبرا كاملة العدد لم أكن على إستعداد لمناقشة الفيلم الذي شاهدته كنت أبكي مدفوعآ برغبة الهروب من قاعة العرض ثم الإتصال تليفونيآ بكل معارفي لكي أحثهم على مشاهدة الفيلم في عرضه الثاني بعد يومين في قاعة ABC.
اليوم التالي عند مقابلتي للمخرج الشاب “أبو بكر شوقي” الذي أعرفه وسألني رأيي لم أكن في إحتياج لقول أكثر من “مبروك” سأقول رأيي كتابة .. ورد هو: سأقرأه بالطبع.
عادة ما تكون الأفلام عن وقائع تاريخية مسلية وليست مثيرة لأن هذه الوقائع قد حدثت وغالبآ ماتتعرض للنقد من وجهة نظر قدرة القصص على مضاهاة الوقائع بالواقع وهو مجال طيف واسع للتفسيرات المتنازعة -الأيديلوچية والسياسية- فكل طرف يرى الواقع والوقائع في سياقات مختلفة وبمصالح متضاربة..كلٌ يغني على ليلاه ..
تاريخان متشابكان يضعنا أمامهم المخرج دون تعسف وبالتوازي نشاهد تاريخ مصر خلال نصف قرن من الزمان بأشخاص القادة المعروفين وسياساته المشهورة متوازي مع تاريخ أسرة مصرية عادية مشابهة لكل الأسر من الطبقة المتوسطة التى شهدت هذه المنعرجات السياسية بداية بخطب الرئيس ( عبد الناصر) الواعدة بالإنتصار الساحق حتى خطبة تحمل المسؤولية والتنحي ثم تتابعآ مع الرئيس التالي (السادات) وعبوره وخطبة النصر ثم للكنيست وبالتالي ”كامب ديڤيد” حتى إنتفاضة الخبز في”يناير”1977 ثم إغتيال قائد العبور في الإحتفال السنوي محاطآ بالمسؤولين وسط جنوده.
الأسرة مكونة من الأب الموظف في وزارة الزراعة والذي يحتفظ بصوره له مع الريس معلقة بفخر في الصالة المعيشة المزدحمة بألأم والأبناء الذكور الأربعة والخال الأعزب لمشاهدة المباريات وتشجيع فريق الزمالك (السئ الحظ) !بيانو يعزف عليه الأبن الرومانسي الموسيقى معزوفات كلاسيكية تزعج الجيران الأبن التوأم له "حسانوف" يدرس اللغة الروسية ! الموسيقار الرومانسي يتواصل بألمراسلة مع فتاة نمساوية ويقعان في الحب عن بعد(والدة المُخرج نفسه نمساوية) ثم يذهب في منحة لدراسة الموسيقى الكلاسيكية على أصولها في العاصمة “ڤيينا”بينما يٌستدعى أخيه التوأم للخدمة العسكرية بينماخرج من القرعة بسبب غلطة إدارية.
في النمسا يلتقي الحبيبان بينما ينزعج والد العروس من هذا الزواج المستحيل!بعد مكابدات يلتحق بدراسته ثم يأتيه خبر إستشهاد أخيه التوأم (حسانوف) في المواقع الأولى للجيش أثناء العبور ..فيعود لمصر تاركآ حبيبته ودراسته ولكنه يبدأ عمله كأستاذ للموسيقى وفي إنتظار الترقية الكبري يأخذ مكانه زميل له موسيقي متحيل!تلتحق به النمساوية في القاهرة ليتزوجها ويعيشان في الشقة الصغير مع الأسرة… تٌحيّ حفل الزواج أغنية أحمد عدوية” زحمة يادنيا زحمة” متقاطعة مع العزف الكلاسيكي هما التعبير الأمثل عن إزدواجية تلك المرحلة من الحياة المصرية العائلية والسياسية الشاقة!
الأب فقد كل إمكانية للصعود بعدما تلفظ بكلمة "الفساد"اثناء مقابلة تليڤزيونية والزوجة النمساوية التى صارت كاتبة تتلفظ بها في حديث تلڤزيوني لتفسير عدم ظهور زوجها في حفلات عامة فيتوقف طريقه للنجاح كما أبيه!الحفلة العامة الوحيدة التى بثها الراديو كانت بدون جمهور! فقط يأتي ضيوف رئيسه العميد الفاسد وصديق الشباب والدراسة في النمسا ..يأتون لمشاهدته فقط في نهاية العزف! والأخ العاشق للكرة يجد نفسه مساعد في غرفة الملابس وليس في الملعب! إنها أحوال فاسدة وتبدو كقَدر وكلعنة إجتماعية وشخصية مستدامة لقرن من الزمان دون توقف أو عكس إتجاه!
الأم الشجاعة والكاتبة السرية والتى قامت على تربية أربعة رجال تموت في المستشفي بينما توصي أبنها بألإجتهاد والأمل.. والأب يجلس على الكنبة ينعى الحظ التعيس المهني والسياسي والكروي!والأم تترك وراءها كتابات كان أخفتها عن الجميع تجدها الزوجة النمساوية التى صارت كاتبة عن تاريخ العائلة!
كل الاحداث السياسية التاريخية مركبة كوقائع تسجيلية وكل الوقائع العائلية ممثلة في مشاهد بديكورات وفي شقة مفعمة بألكفاح المرير و بألأسى ! تشبيك وتداخل ذلك دون افتعال ولا وعظية..فألمسارات والمصائر متطابقة بين وضع العائلة وأوضاع الأوطان فكلاهما قصص من الأسى والأحزان ، وحتى الأمل الذي يتجدد بوجه الطفل وليد النمساوية عندما يستمع مع أمه لعزف والده على موجات الراديو!
الباقة من الممثلين الممتازين لم تؤد عمل خارجي (براني)فحياتهم الشخصية التي نعرفها كما هي حياة غالبية المصريين ليست غريبة عنهم وعن سيناريو الفيلم وهي تحمل الأسى المصري الأصيل كما في الفيلم! من نافلة القول والكتابة أن نحي الإداء التمثيلي لكُلٍ من نيللي كريم، أمير المصري (العالمي)، فاليري باشنر، كريم قاسم، أحمد كمال، صبري فواز، شريف الدسوقي، خالد مختار، أحمد الأعزر، وعمرو عابد. والمتعدد الجدارة الفنية بألطبع المخرج الشاب” أبو بكر شوقي”الذي سيُخرج أفلام مثيرة رائعة!


