آراء حرة

قيس سعيد لا يمكن أن يكون دكتاتورا حتى ولو أراد (3/4) : تونس دولة المبادرات الشعبية والمؤسسات المجتمعية.

بقلم سالم الحداد
يقطع الأخ سالم الحداد شوطا جديدا في مقاله المطول بتقديم قراءة مفصلة لمواقف الفعاليات السياسية والاجتماعية من الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية في 25 جويلية والاحكام الانتقالية التي أعلنها في 22 سبتمبر.
 في إطار التفاعل مع الحدث والتواصل مع الفعاليات أطرح بعض التساؤلات وأحاول أن أجيب عنها علّها تساعد على بلورة ملابسات الأزمة: هل كان حدث 25جويلية ضرورة لإنقاذ البلاد أم أنه اختيار أراده دكتاتور استجابة لنرجسيته؟ هل الدكتاتورية هي مجرد نزعة فردية للانفراد بالسطلة؟ هل يسمح المجتمع التونسي بعد 10سنوات من الثورة بالارتداد إلى الوراء؟ هل سيتغافل رئيس الجمهورية عن سدّ الذرائع أمام الدول النافذة؟ هل شخصية سعيد تؤهله لأن يكون دكتاتورا؟
أولا ــ الشرعية والمشروعية وحركة25 جويلية
إن المنظومة السابقة تتمتع بشرعية انتخابات 2019 مهما قيل عن نقائصها والمفروض أن تستمر إلى انتخابات 2024، لكن هل ما زالت البلاد قادرة على تحمّل رداءة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والصحي والسياسي؟ أليس من الضرورة أن تتدخل الرئاسة لإنقاذ البلاد بما تملك من شرعية ومشروعية، لوضع حد لمأساة الشرعية؟ أليس هناك استثناء لكل قاعدة تبيحها الضرورة؟ ألم يقل فقهاؤنا قديما<< الضرورات تبيح المحظورات؟
ثانيا ــ الدكتاتورية وخلفيتها الاقتصادية والسياسية
 إن الاختلاف حول  التحولات الكبرى  ظاهرة صحية يجب أن تعتزّ بها تونس/ الثورة وهي ثمرة من ثمار الديمقراطية ومن الضروري أن نخشى من قيس سعيد وأن نخشى عليه، غير أن  التجاذبات  الفكرية ــ في تقديري ــ  تحتاج  إلى التعمق في ظاهرة الدكتاتورية فهل هي مجرد نزوع للفردانية أم هي إفراز لطبقة أو شريحة  تسعى للهيمنة من خلال دكتاتور يحقق مصالحها وتوفر له الحاضنة الضرورية،  ولنا في التاريخ الحديث عبرة ، فقد ظهر كل من هتلر في ألمانيا وموسليني في ايطاليا كتعبيرة رأسمالية وطنية تريد ان تتوسع كما ان ستالين كان تعبيرة عن البيروقراطية السوفيتية التي أحكمت سيطرتها على الدولة ،والأمر في تونس لا يخرج عن هذه  القاعدة، ألم يستند بورقيبة في صراعه مع الحركة اليوسفية إلى الشريحة الرأسمالية الوطنية والتابعة الجبانة   التي  ليس من مصلحتها  ان تذهب بعيدا في صراعها مع عدو الأمس ،وهي من أنصار أنصاف الحلول لا غالب ولا مغلوب، نفس التوجه سار فيه صالح بن يوسف الذي استند إلى الوسط الفلاحي الأكثر استعدادا للتضحية والأقل استفادة. هل هذا السند الموضوعي والضروري لبروز الدكتاتورية متوفر لقيس سعيد؟هل يمكن ان تكون الشريحة الشبابية والقوات الحاملة للسلاح حاضنة اقتصادية سياسية له ؟إن ذلك يستحيل موضوعيا فهما لا يملكان الإمكانيات ولا الطموح .
ثالثا ــ تحوّل تونس من مجتمع الدولة إلى دولة المجتمع
لم تكن العشر سنوات من عمر الثورة فراغا عبثيا رغم انحرافات الفاعلين فيها وعجز الحكومات المتعاقبة ــ لأسباب موضوعية أو ذاتية لقصور أو تقصيرــ عن معالجة الأزمات المتراكمة فقد شهدت نقلة مجتمعية عميقة حيث تحولت تونس من مجتمع الدولة   ـــ الذي يحكمه ويصوغه زعيم أوحد وحزب واحد وهو مجتمع الرعية في دولة القطيع تتحكم فيه آليات العصا والجزرة والتقزيم والعملقة ــ إلى دولة المؤسسات والقوانين بما فيها من دستور وتشريعات وهيئات ومنظمات وأحزاب. نعم إن هذه النقلة النوعية وقع تغيير وجهتها وتوظيفها للسيطرة على المواقع وكسب الغنائم. لكن هذا الانحراف لا يجب أن يحجب عنا مكاسب الثورة التي لا تسمح بالعودة للوراء فقد سقط عن الشعب هاجس الخوف وتحررت إرادته وارتفع لديه سقف الحرية حتى كادت ان تفقد سقفها وعادت للمواطن ثقته بثقته بنفسه كإنسان حر، مريد وفاعل وتغيرت البنية الهرمية للمجتمع فصار يقف على ساقيه ورأسه مرفوع بعد أن كانت بنيته معكوسة وكرامته مهدورة.فهل يفرط الشعب في هذه الانجازات التاريخية؟ لقد أن رُفعت فزاعة عودة المرأة إلى البيت مع حكم الاسلاميين، هاقد حكم الإسلاميون ولم يستطيعوا أن يعودوا بها قيد قيد أنملة لأن عجلة التاريخ لاتعود إلى الوراء كذلك الأمر لمنظومة الحقوق والحريات.
رابعا ــ تونس دولة المبادرات الشعبية والمؤسسات المجتمعية
إن الشعب التونسي لم يكن مادة بشرية هلامية كما قال عنه جان جوراس<< غبار من البشر>> إشارة إلى الأطياف المتنوعة التي كانت تشكل بنية المجتمع من أيطاليين  ومالطيين وأسبان وأتراك ويهود ومسلمين واستنسخها بورقيبة للحديث عن البنية القبلية للشعب التونسي وكلاهما يفتري على التاريخ، فقد تصدى الشعب للاستعمار  الفرنسي ولاستبداد نظام الدولة الوطنية ولفساد نظام التحول وقام بثورة مجتمعية رائدة في التاريخ على غير مثال، واستطاع عبرعقود من الزمن أن ينسج شبكة من منظمات المجتمع المدني والسياسي  مثل الاتحاد العام والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان والعمادة وجمعية القضاة وكذلك الأحزاب السياسة وتدعمت بالهيئات الدستورية والقانونية  وبالتالي فالشعب سواء بمبادرته العفوية أو بمؤسساته ليس مستعدا بأن يسلس قيادته لمن يحاول ان يتغوّل عليه .
خامسا ــ ضغوط القوى العالمية النافذة
 تابع الشعب التونسي بحساسية مفرطة تدخل القوى الأجنبية منذ اليوم  الأول 26 جويلية وهو يدرك بعمق خلفيتها  السياسية ويعرف جيدا أنها تريد أن تُؤمّن على مصالحها وعلى يضمن لها مصالحها قبل أن تفكر في الديمقراطية ومنظومة الحقوق والحريات ففي الوقت الذي كانت فيه  وفود  الدول النافدة تتوافد على تونس كانت جيوشها تنسحب من أفغانستان وتسلمها لطالبان .ومع أن هذه المنظومة هي استحقاق وطني  وثوري  وليست في حاجة لسند خارجي فإن قيس سعيد مطالب  بان يقطع الطريق أمام أصحاب الذرائع وهذا ما فعله في  الفقرة الثانية من الأحكام الانتقالية فنقطة الضعف الوحيدة  لقيس سعيد هي حالة الإفلاس التي تعاني منها ميزانية الدولة وامكانية تجفيف منابع الدعم الاقتصاد .
سادسا ــ قيس سعيد شخصية مطمئنة
إن قيس سعيد  ــ بما عُرف عنه من نزاهة ونظافة “وبما يمتلك من ثقافة حقوقية وتربوية وتاريخية  وعدم انتماءات داخلية ولا ولاءات خارجية ـــ  يعتبر إلى حد بعيد ،شخصية سياسية مطمئنة للشعب ، فحظي بدعم جماهيري واسع وبمساندة من نخبة فكرية وسياسية واعية أدركت إشكالية هذه المرحلة الانتقالية وما تواجهه الدولة والثورة من التحديات الداخلية والخارجية ،وهذا ما جعله يصمد أمام الضغوطات ويتمسك باستقلالية القرار الوطني والسيادة الوطنية.
 (يتبع)


ملاحظة هامة: الآراء الواردة في المقال تلزم كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي " الشعب نيوز" في المسائل التي وقعت الاشارة اليها.