وطني

توفي اليوم : احمد المستيري يشهد ببراءة الاتحاد من احداث 26 جانفي

توفي اليوم المحامي أحمد المستيري أحد بناة الدولة الوطنية عضو اول مجلس تاسيسي وزير الحقائب المتعددة ومؤسس حركة الديمقراطيين الاشتراكيين. ربطت الراحل علاقات متطورة مع الاتحاد العام التونسي للشغل واغلب قياداته وخاصة معاصريه الحيبيب عاشور واحمد تليلي واحمد بن صالح, كانت له مواقف مساندة للاتحاد من ابرزها شهادته لدى محكمة أمن الدولة لدى نظرها في القضية التي أثيرت ضد القيادة النقابية بعد اتهامها بالمسؤولية عن الاحداث الاليمة الي تبعت أضراب 26 جانفي 1978.

يقول احمد المستيري في شهادته:

ازاء تأزّم الوضع بين الاتحاد والحكومة فكرنا في القيام بمسعى توفيقي وفي صبيحة يوم الثلاثاء 24 جانفي 1978 قرّرت مع زملائي السيدين حسيب بن عمار والباجي قائد السبسي القيام بالمسعى المذكور واتصلت هاتفيا بديوان السيد الهادي نويرة الوزير الأول لاشعاره بأنّي ورفاقي المذكورين نرغب في مقابلته للسعي في القيام بمسعى توفيقي وبعد ظهر نفس اليوم اتصل بي السيد رئيس ديوان الوزير الأول واشعرني أنّه مستعد لاستقبالنا فورًا وصادف ان كان بعد ظهر نفس اليوم المكان الذي يوجد به مكتبي وهو نهج عنابة والقريب من مقر الاتحاد العام التونسي للشغل مسرح اضطرابات تأخرنا بعض الوقت عن التحول إلى رئاسة الحكومة وفي نفس الوقت واثر ضبط الموعد مع السيد الوزير الأول اتصلت بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل السيد الحبيب عاشور وأشعرته بأنّي سأتقابل مع سيادة الوزير الأول وطلبت منه مقابلته اثر ذلك مع رفيقي المذكورين فأظهر لي استعداده لاستقبالنا وانتظارنا بمكتبه.

الوزير الاول ووزراؤه

وقرابة الساعة السادسة مساء أمكن التحول إلى الوزارة الأولى واستقبلنا من طرف السيد الوزير الأول الذي وجدناه مُحاطًا بوزير الدفاع الوطني السيد عبد الله فرحات والسيد محمد الصياح مدير الحزب والسيد الضاوي حنابلية وزير الداخلية وقد أشعرته   بأنّ مسعانا يتمثّل بأنّنا شاهدنا تدهورا في الوضع ينبئ بأزمة خطيرة ولتحاشيها وتوقيف التصاعد نعرض عليه تدخلنا في الموضوع لتوقيف التصاعد فرحّب بالعرض وشرح لنا أسباب الأزمة على نحو ما بينه بخطابه الذي ألقاه بمجلس الأمة اثر الأحداث مباشرة ولاحظ لنا من ناحية أخرى أنّ الحكومة لا تتخلّى عن القيام بواجبها في حفظ النظام في الشارع وقد لا حظت له أنّ هذا لا ينازعه فيه أحد اذ نعتبره من واجبات الحكومة ومن اختصاصها ثمّ ألقيت عليه سؤالا يتمثّل في قولي: «هل أنّكم مستعدون لاستئناف الحوار مع الاتحاد العام التونسي للشغل؟» فأعرب لي عن استعداده لذلك لكن بشرطين أن لا يقع التفاوض تحت الضغط ولم يفسّر لي ما يقصده من الضغط والشرط الثاني أنّه لا يتفاوض الاّ مع مخاطب كفء قادر على الوفاء بالتزاماته ولم يفسّر لي مقصوده من ذلك ولكنّني فهمت فهما شخصيا يتمثّل في أنّه يجب على قيادة الاتحاد ان توفي بما التزمته وذلك بفرضه على القاعدة وازاء ذلك أشعرته بأنّنا سنتصّل بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل لنفس الغرض واستفسرته هل يشجعنا على المضي في مسعانا مع اشعاره بأنّنا نقف عند هذا الحدّ ان كان غير موافق فلاحظ لنا أنّه لا يشجعنا ولا يصدنا وأنّنا أحرار في تصرفاتنا.

الاضراب لحماية الاتحاد

واثر مغادرة مكتب السيد الوزير الأول تحولنا مباشرة الى مقر الاتحاد العام التونسي للشغل أين اتصلنا بالسيد الحبيب عاشور الذي وجدناه مع جملة من رفاقه وقد بسطنا له الموضوع وأشعرناه بأنّنا كنّا اتصلنا بالسيد الوزير الأول ونقلنا له وجهة نظر السيد الوزير الأول في الموضوع وطلبنا منه هل في الامكان التراجع في قرار الاضراب المعلن عنه واستئناف الحوار وقد أجابنا باستعراض الأسباب والظروف التي انتهت إليها الأزمة ولاحظ في خصوص التراجع في الاضراب واعلانه بأنّ اعلانه كان دفاعًا شرعيا عن دور الاتحاد ولبقيّة الأسباب المبينة باللائحة الصادرة في الغرض وأنّه من الصعب التراجع في الاضراب لأنّ الأمر أخذ مجراه وأنّ الأسباب التي دعت إلى الاضراب لازالت قائمة فأعربت له عن رغبتي في ايقاف تصاعد الأزمة ووضع حدّ للتوتّر وابقاء الأمور في حدود معيّنة يعني عدم الاخلال بالأمن العام في الشارع وعدم المس بجهاز الانتاج داخل المؤسسات وعدم شمول الاضراب لقطاعات حيوية كالماء والنور والخبز والمستشفيات فاجابني بأنّه سبق له أن وجّه تعليماته في هذا الغرض وعبّر عن استعداده بالاعلان عن هذا وبينا له أنّ الحكومة مستعدة للحوار بالشرطين المتعرض إليهما فلاحظ أنّه بدوره مستعد لمواصلة الحوار بدون قيد ولا شرط وبواسطتنا أن اقتضى الحال ومدّني برقم هاتفه بمسكنه وعرضنا عليه القيام بتبليغ ما صرّح به الى سيادة الوزير الأول فاجأت بكونه لا يرى مانعا في ذلك.

واثر مغادرتنا لمقر الاتحاد وقرابة الساعة الثامنة والنصف مساء اتصلت هاتفيا بالسيد الوزير الأول وأشعرته بمقابلتنا بالسيد الحبيب عاشور وبعدم استعداده للعدول عن قرار الاضراب الاّ أنّي لاحظت في الاتصال به بعض النواحي الايجابية في حديثه نريد ان ننقلها إليه فعين لي موعدا على الساعة الثامنة من صبيحة اليوم الموالي وفعلا توجهت صبيحة يوم الاربعاء 25 جانفي 1978 على الساعة الثامنة صباحا بمفردي الى الوزارة الأولى، واستقبلني السيد الوزير الأول على انفراد وقد عرضت عليه ما أجاب به السيد الحبيب عاشور على نحو ما لاحظته الآن فتمسّك من جديد بموقفه السابق وجدّد لي حرصه على المحافظة على الأمن وبذل كلّ المجهودات لاجتناب التصادم، وقد أعطى تعليمات في هذا الصدد لقوّات الأمن.

دون قيد أو شرط

ثمّ تحوّلت بعد انتهاء المقابلة الى مكتبي واتصلت هاتفيا بمقر الاتحاد ثمّ تحوّلت إليه بعد الزوال وعند امكان الاتصال بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل كان يرافقني السيدان حسيب بن عمّار ومحمد مواعدة واستقبلني الحبيب عاشور بمحضر عدد من زملائه بالمكتب التنفيذي وقد بيّنت له مرّة ثانية وجهة نظر السيد الوزير الأول ورغبة الوفد الذي يضمني مع رفيقي في اقتصار الاضراب وعدم شموله للمرافق المذكورة وفي حدود الأمن والنظام حسبما اقترحنا عليه من قبل وتدخل الأخ حسيب بن عمار وشرح له مطوّلا وجهة نظر الوفد المرافق لي مبيّنا ان الأزمة لم تعد نقابية تتعلّق بمطالب مالية وتجاوزت نطاق الخلاف القائم بين الحزب والاتحاد وأخذت طورًَا خطيرًا يهدّد البلاد بأسرها وطلب منه توقيف الأمور عند هذا الحدّ حفاظا على سلامة البلاد ومستقبلها، وطلب منه اعلان ذلك ضمن بلاغ ينشر والابراق بذلك إلى المنظمة العالمية للنقابات الحرّة فقبل ذلك ولا أتذكر هل صدر البلاغ الموعود به أم لا.

كما لاحظ لنا أثناء مناقشته في موضوع الاضراب العام أنّ كريستن نفسه يرى أنّ الاضراب العام مشروع بالنظر للمشاكل القائمة وبالمآخذ المنسوبة من الاتحاد الى الحكومة والحزب والمضمنة باللائحة المعلن فيها عن تقرير مبدأ الاضراب كما أكّد من جديد على استعداده استئناف الحوار بدون قيد أو شرط.