آراء حرة

المحكمة الدستورية :حل أم مشكل؟

            
               
Iــ المحكمة الدستورية 
تعتبر المحكمة الدستورية الحلقة الأخيرة لاستكمال بناء المنظومة الدستورية  وهي حلم الفعاليات الوطنية لضمان الاستقرار في الداخل والسيادة الوطنية مع الخارج فهي:
أولا ــــ تجسّد أركان دولة القانون والمؤسسات التي أرستها الثورة 
ثانيا  ــ تمنع تغوّل الأطراف السياسية باعتبارها مرجعية دستورية تحسم في الإشكالات التي تحصل بين مؤسسات الدولة
ثالثا ـــ تنظر في الاتفاقيات التي تبرمها تونس مع الدول الأجنبية بما يضمن مصالحها ولا يُخلّ بسيادتها
هذه الأهداف الكبرى  للمحكمة الدستورية لا يمكن  أن تنجزها إلا هيئة دستورية  تتوفر فيها  3معطيات على الأقل:
 1ـ كفاءة علمية مستوعبة للمنظومة القانونية ولتطبيقاتها المحلية والإقليمية والعالمية
2ـــ نزاهة تمكنها من تجاوز أهوائها وقناعاتها الفكرية  ومصالحها وارتباطاتها 
3ـــ حيادية  تمكنها من أن تقف على نفس المسافة  من الفعاليات  السياسية المتباينة أو المتماهية و بعيدة عن المظلات الحزبية .
فهل توفرت هذه المعايير  في ظل التجاذبات الراهنة؟
IIــــ  المحكمة الدستورية مع الاستبداد  
تجرعت  تونس مع نظام دولة التأسيس مرارة النظام الاستبدادي الذي  حوّل الدستور إلى آلية من آليات دعم شرعية وجوده ،وهذا ما حصل مع بورقيبة الذي حوّر الدستور ليسمح له بالحكم مدى الحياة، وكذلك فعل ابن علي  عندما أدخل تعديلات في  الدستور سنة 2004 تمنع المنافسين من الترشح لرئاسة الجمهورية رغم وجود المجلس القضائي الذي كان  من المفترض ان يحمي الدستور من التلاعب .كلا النظامين غيّب استقلالية القضاء، وهو المبدأ الأساسي الذي تنهض عليه الدولة العادلة 
III ـــ المحكمة الدستورية مع الثورة 
أولاــ التوافق المغشوش وتغييب المحكمة الدستورية
كان من المفترض أن يقع إرساء المحكمة الدستورية بعد عام واحد من تاريخ إجراء الانتخابات التشريعية لسنة في 26 أكتوبر 2014 ، وتجنبا للفراغ الدستوري تم إحداث الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين في 18 أفريل 2014 أمضى على تأسيسها  الرئيس المرزوقي في انتظار انتخاب المحكمة الدستورية، وكان بإمكان والثورة المضادة والاسلام السياسي أن ينتخبا المحكمة بسهولة فقد توفر لهما 158 نائب 89 + 69 غير أن  الحسابات السياسية غيّبت المحكمة  التي تعني الاحتكام للقانون  وليس من مصلحة كل منهما حضور مؤسسة دستورية مرجعية تحد من سلطتهما رغم الإشكالات العديدة التي طرحت فكلاهما يخشى تفعيل القوانين لغير مصالحه وقد استعاضا عنها بالوفاق المغشوش فكوّن الشيخان ما عُرف  بتنسيقية قرطاج الأولى والثانية   التي ضمنت لهما  الأغلبية الآلية التي مكنتهما من:
أ  ــ إزاحة حكومة الصيد الرجل الطيب غير الموثوق به 
ب ـــ تنصيب الشاهد الابن بالتبني 
ج ــ تمرير قانون المصالحة مع الفساد 
د ــ تمرير قانون المخدرات (الزطلة)
هــ رفض تجريم التطبيع
و ــ كاد أن يمرر اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق ALECA وهو اتفاق الاستعمار الناعم الذي جاء تتويجا لاتفاق الشراكة 1995.
 توقفت التنسيقية بفك الارتباط بين الشيخين حيث تشكل حزام حكومي جديد حول الشاهد المتمرد  عن الباجي والمنشق عن حزبه بدعم من النهضة جمع عدة أحزاب: تحيا تونس والنهضة والمشروع وغيرها  ولم يكن هناك مبرر أيضا للمحكمة الدستورية فالتوافق المغشوش عنها هو البديل الذي تواصل فترة حكم الشاهد.
ذاك في تقديري السبب الموضوعي لتغييبها طوال أكثر من 6 سنوات. والسؤال المطروح إذا كانت  المحكمة قد نامت في سبات عميق طوال هذه المدة فلماذا استيقظت وصحت وحضرت في ظرف شهر؟ ما هي المستجدات؟ ماذا حصل مع العــهدة النيابية الجديدة ؟ هل تغيرت المعادلة مع قيس سعيد؟
IVــ  لماذا وقع إحياء المحكمة الدستورية  بعد انتخابات  2019؟
 أولا ــ العوامل  القادحة
أفرزت الانتخابات الرئاسية قيس سعيد  كفعالية سياسية التزمت بتصحيح مسار الثورة فكان  من الطبيعي أن تصطدم بسياسة  التوافق  المغشوش التي كانت سائدة طوال العهدة النيابية السابقة والتي  نسج خيوطها الشيخان بداية من15 أوت2013 مجسدين الإسلام السياسي والثورة المضادة  المتمثلة أساسا في التموقع والغنيمة. 
ثانيا  ـــ أهم تجليات هذا التصادم 
يمكن أن نتبين هذا التصادم بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال التشكيلات الحكومية المتعاقبة 
أ  ـــ إجهاض حكومة الجملي النهضوية
ب ـــ استقالة حكومة  الياس الفخفاخ  الرئاسية
ج ـــ وقوع هشام مشيشي كعصفور نادر في قفص النهضة.
نتيجة لهذا التباين دخلت تونس مرحلة جديدة من التجاذبات المتصاعدة بلغت أوجها مع رفض رئيس الدولة تأدية اليمين الدستورية لبعض العناصر من حكومة مشيشي  مبررا ذلك بأن التحوير غير دستوري  لوجود شبهة فساد سجلتها هيئة مكافحة الفساد وهي الشبهة التي من اجلها استقالت حكومة الفخفاخ وقد سبق للأغلبية البرلمانية أن صادقت  على  التحوير الوزاري  لحكومة مشيشي  وهي تعلم  ذلك علم اليقين لكنها  مررتها بقوة الأغلبية  لكسر إرادة رئيس الدولة.
لم تُجد نفعا محاولات مشيشي للاستقواء بالمحكمة الإدارية وأساتذة القانون الدستوري والهيئة الدستورية المؤقتة  على رئيس الدولة ،فهناك شبه إجماع على رفض الدخول في اللعبة السياسية وشبه اتفاق على أن رئيس الجمهورية هو الوحيد المخول لقراءة النص الدستوري  في غياب  المحكمة الدستورية. وباختصار شديد فقد صارت تونس تعيش على وقع  صراع عميق بين رؤيتين يجسدهما فسطاطان  يتغالبان. فمن هما  الطرفان المتغالبان ؟ فإلى ماذا يستندان ؟ 
ثالثا  ـــ سياسة  المغالبة
انقسمت الفعاليات السياسية إلى فسطاطين
1   ـــ فسطاط الأغلبية البرلمانية
يضم هذا الفسطاط 3 أطياف أساسية : النهضة وائتلاف الكرامة وقلب تونس وبعض الأطياف الأخرى وكلها تلتقي حول التموقع والغنيمة. شكل هؤلاء أغلبية برلمانية  اكتسبوا بها شرعية دستورية  لمغالبة الشرعية الرئاسية .غير أن النهضة تمايزت  فهي تمثل  الحمامة المطوقة التي صارت  مركز الثقل :
أ ــ  هي الحزب الأول رغم تقلص عدد نوابها 
ب ــ هي التي شكلت  التحالف وحشدت له أغلبية مريحة  
ج ـ هي التي  نظمت أكبر تظاهرة جماهيرية بعشرات الآلاف وأنفقت مئات الملايين
 د ـــ  صارت تحظى بدعم خارجي مباشر أو غير مباشر  من المحور الاقليمي  التركي / القطري ومن بعض الدول النافدة وتحديدا الحزب الديمقراطي الأمريكي الذي يعتبر الإسلام السياسي المعتدل آلية من آلياته لمحاربة الإسلام المتطرف وللمحافظة على مصالح الامبريالية الأمريكية في المنطقة، فالسفير الأمريكي في تواصل مستمر مع السيد الغنوشي رئيس البرلمان دون أن يفعل ذلك مع رئيس الدولة. كما ان فرنسا صارت تغضّ النظر عنها لتحالفها مع أنصارها من الفرانكفونيين  والحرْكيين رغم احترازها على مشروعها الثقافي. 
هؤلاء  تحدوهم رغبة في محاصرة رئيس الجمهورية الذي ما لبث يؤكد على  السيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني وتخوين المطبعين مع  الكيان الصهيوني.
2  ــ فسطاط الرئاسة
تقوم رؤية الرئيس على تصحيح مسار الثورة الذي انحرف به التحالف  عن أهدافه وتتقاطع هذه الرؤية مع عدة أطياف سياسية واجتماعية  متواجدة على الساحة
أ ـــ في البرلمان:
  ــ الكتلة الديمقراطية وتضم :حركة الشعب والتيار الديمقراطي
 ــ عدة أطياف سياسية مناضلة مستقلة أو منتمية
 ب ـــ خارج البرلمان   :
يحظى رئيس الدولة بدعم شبابي واسع وهو الذي لعب دورا فاعلا في فوزه   بالإضافة إلى العديد من منظمات المجتمع المدني ــ أساسا الاتحاد العام ــ التي تتقاطع مع الرئيس في عدة نقاط
   ــ الالتزام بأهداف الثورة حسا ومعنى
ـــ مقاومة الفساد بالفعل لا بالقول
ـــ تكريس  استقلالية القضاء
ـــ إرساء منوال  تنموي يتيح  الفرص المتكافئة لتحقيق العدالة الاجتماعية 
ــ ضمان سيادة الدولة واستقلالية القرار الوطني
ــ تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني
ـــ أخلاقية العمل السياسي
 بالإضافة إلى الخصال الشخصية  للمسؤول السياسي
Vـــ ما هو دور المحكمة الدستورية في تغيير موازين القوى السياسية؟
   أولا ــ استحضار المحكمة لماذا؟
عندما كان الصراع محتدا يتذكر الحزام الحكومي المحكمة الدستورية فيستحضرها في ظرف شهر بعد أن غيّبها طيلة 6 سنوات ،فهي الآلية الوحيدة التي ستجرد رئيس الدولة من سلاح الاجتهاد الدستوري الذي كان يستعمله في غيابها بل ستكون وسيلة لمحاصرته، مما سيُفضي لتحجيم دوره على المدى القريب وحتى إلى إزاحته على المدى البعيد.
ثانيا ــ التوقيت ودلالته
إن اختيار التوقيت يرشح بالهدف المنشود فكلما كان المناخ سليما  يسوده الوئام  كانت هناك إمكانية كبيرة  لتوفير فرص للنجاح بين الفرقاء والعكس بالعكس  ومن الواضح ان الرغبة في التواصل كانت مفقودة وعندما احتدت الأزمة بين الرئاسة والحزام الحكومي وقع استحضار المحكمة  الدستورية  وهذا يكشف  ما وراء الأكمة . 
فدور المحكمة ليس بريئا بل يتنزّل ضمن التغلّب على الرئاسة  وما يؤكد  هذه الخلفية هو استعمال آليات غير شرعية أو غير أخلاقية وقد تكون قانونية فيم تتمثل ؟
VIـــ آليات استحضار المحكمة الدستورية واحتوائها
يمتلك  التحالف البرلماني آليتين:    
  أولا ــ  التقليص من الأغلبية المعززة
حدد القانون انتخاب أعضاء المحكمة بأغلبية معززة (145) الثلثان <<وذلك لضمان اختيار أعضاء أكثر كفاءة ونزاهة واستقلالية وحيادا>> وهو أمر يكاد يكون مستحيلا في ظل التوازنات البرلمانية الحالية، فالطريقة الوحيدة  الممكنة هي تقليص العدد بتغيير الفصل الذي يشترط هذه الأغلبية. استطاع الحزام أن يذلل هذه العقبة الكأداء فقد صادق  البرلمان يوم 25 مارس 2021  على  تقليص  الأغلبية المعززة إلى  131  أي ثلاثة أخماس  بمواقفة 111 نائب.
ثانيا  ـــ المحاصصة الحزبية
راهن التحالف بين الإسلام السياسي  والثورة المضادة على تأمين الأغلبية  المريحة لانتخاب هيئة دستورية موالية له، تقوم على المحاصصة الحزبية وتمريرها في البرلمان بقوة، كما فعل مع التحوير الوزاري وتشكل الذراع  القانوني الذي تهدد به رئيس الدولة. إن التحالف سينتخب 3 عناصر فقط حيث سبق له أن انتخب السيدة القاضية روضة الورسيغني سنة2018، وسيسعى  إلى أن يفعل ذلك في القطاع القضائي .تلك هي الخلفية السياسية للأغلبية البرلمانية . لكن ما هي  أهم تداعيات هذا الخيار؟ 
ثالثا  ـــ تداعيات اختيار هيئة موالية  
إن النتيجة الحتمية للمحاصصة:   ستكون انتخاب محكمة دستورية موالية كليا أو جزئيا  للتحالف  الذي نهض على التموقع والغنيمة ولاؤه للأحزاب لا للوطن وستكون غير قادرة على انجاز أهدافها الكبرى باعتبارها الحارس الأمين للدستور ولدولة المؤسسات والقوانين والراعي اليقظ للمسار الديمقراطي، والمحافظة على التوازن بين السلطات الثلاث. وبانتخاب هيئة موالية سيتكلس المشهد السياسي وسيكرس دولة المحسوبية والموالاة وستتقلص آو تتوارى دولة القانون بل مجتمع القانون.
VII ـــ  النص الدستوري كيف قُرئ ؟
تنص الفقرة الخامسة من الفصل 148 من دستور سنة 2014،  بوضوح على أن<<يتمّ في أجل أقصاه ستة أشهرــ من تاريخ الانتخابات التشريعية ـــ إرساء المجلس الأعلى للقضاء ،وفي أجل أقصاه سنة ــ من هذه الانتخابات ــ إرساء المحكمة الدستورية >> وقد مرت 6سنوات" وهذا  مربط الفرس. وبذلك انتهي تشكيل المحكمة الدستورية . فكيف قُرئ الأجل ؟
أولا ـــ الآجل  وتداعياته
للتعامل مع هذا الفصل  ظهرت قراءتان لتفسير الأجل :  
1ــ  اجل استنهاضي
ومفاده أن القصد من تحديد الأجل هو الحث والاستنهاض لتشكيل المحكمة<< هيا ازرب روحك ما عادش وقت>>وهذا لا يُسقط إجراء العملية الانتخابية خارج أجلها  وهي قراءة غيرعلمية تبريرية فهذا المصطلح لا وجود له في القانون ولا يُعمل به في القضاء. هذه القراءة هي التي  تشبثّ بها أنصار الثورة المضادة والإسلام السياسي.
2 ـــ أجل  إلزامي
ومفاده أن السلطة  التشريعية ملزمة باحترام الحيز الزمني المحدد فإذا تجاوزته  فإن  الهيكل الذي ستفرزه سيولد ميتا وهو شأن المحكمة الدستورية المحددة بسنة وقد وصلت إلى أكثر من 6 سنوات. وهذا ما أكده أغلبية أساتذة القانون الدستوري.
 ثانيا  ـــ تداعيات الأجل على  مكونات المجلس التشريعي
 إن الذين اعتبروا الأجل استنهاضي ساروا في اتجاه امكانية  انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية واستكمال المسار الدستوري وهم على صنفين :
1 ــ الأغلبية البرلمانية التي تشكل الحزام السياسي للحكومة  والتي  لا ترى  في المحكمة الدستورية غير الية من الاليات القانونية  لمحاربة رئيس الجمهورية وضرورة  استثمارها وتوظفيها لمحاصرته. 
2 ــ المعارضةــ وتحديدا الكتلة الديمقراطية ــ التي تعتبرها ضرورية لاستكمال المسار الديمقراطي والاستقرار السياسي وهي مقتنعة أن الحزام السياسي  للحكومة لا يستطيع أن يحتوي غير ثلث التشكيلة(4)، ومن الصعب أن يحتوي فريق القضاء، ومن المستحيل ان يحتوي فريق رئيس الدولة. هذه القناعة جعلتها  لا تعارض انتخاب المحكمة الدستورية التي يعتبرها ضرورية.
هذا لم يمنع من وجود بعض النواب الذين اعتبروا المحكمة الدستورية مؤامرة على رئيس الجمهورية والسيطرة على المجلس التشريعي وانها ستزيد في تعكير المناخ فرفضوها  ورفعوا شعار<< حانوت مسكر ولا كرية مشومة>>
VIII ـــ كيف تعامل رئيس الدولة مع المحكمة الدستورية
أدرك قيس سعيد أن التنقيح  يتنزل ضمن الصراع الدائر على الساحة  الوطنية وأن الهدف البعيد هو إزاحته فردّ برسالة( كتاب) احتجاجية  حجاجية يوم 3 أفريل 2021 رفض فيها التنقيح فهو<<غير علمي بل غير بريء>> مستندا إلى القراءة الثانية التي ترى ان الاجل الزامي لأنه محدد بسنة(أقصاه سنة).
لم يكتف قيس سعيد بالرد القانوني بل وشّح الرسالة بأسلوب أدبي حاكى به أسلوب المعري النقدي بل والانتقادي  في رسالة الغفران التي كانت جوابا على رسالة ابن القارح. وفيها استحضر روافد من مخزون ثقافته العربية الإسلامية من ينابيعها المتعددة : ،الأدبية ،اللغوية ،الفلسفية والدينية، وكلها تتمحور حول فكرة واحــدة وهي<< الغاية تبرر الوسيلة >> والتي تُستعمل فيها كل الأساليب  للوصول للغاية شرعية أو غير شرعية والتي صار يسمى اليوم "التمرير بقوة" وقد سبق لقيس سعيد أن سماها <<زقفونة>>  وهي الطريقة التي مررت بها جارية فاطمة الزهراء ابن القارح الى الجنة بالرغم من أنه كان ناكرا للجميل ناكرا لولي نعمته ( أبي القاسم المغربي)  وهو بذلك يؤكد فكرة محورية سائدة وهي تغييب القانون واستعمال كل الطرق للتحايل عليه .وهي آلية الثورة المضادة والإسلام السياسي اليوم.
ثانيا  ـــ تداعيات الأجل على  مكونات المجلس التشريعي
 إن الذين اعتبروا الأجل استنهاضي ساروا في اتجاه امكانية  انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية واستكمال المسار الدستوري وهم على صنفين :
1 ــ الأغلبية البرلمانية التي تشكل الحزام السياسي للحكومة  والتي  لا ترى  في المحكمة الدستورية غير الية من الاليات القانونية  لمحاربة رئيس الجمهورية وضرورة  استثمارها وتوظفيها لمحاصرته. 
2 ــ المعارضةــ وتحديدا الكتلة الديمقراطية ــ التي تعتبرها ضرورية لاستكمال المسار الديمقراطي والاستقرار السياسي وهي مقتنعة أن الحزام السياسي  للحكومة لا تستطيع أن تحتوي غير ثلث التشكيلة(4)، ومن الصعب أن تحتوي فريق القضاء، ومن المستحيل ان تحتوي فريق رئيس الدولة. هذه القناعة جعلتها  لا تعارض انتخاب المحكمة الدستورية.
هذا لم يمنع من وجود بعض النواب الذين اعتبروا المحكمة الدستورية مؤامرة على رئيس الجمهورية والسيطرة على المجلس التشريعي وانها ستزيد في تعكير المناخ فرفضوها << حانوت مسكر ولا كرية مشومة>>
IX  ـــ قراءة في التجاذبات
أبدى العديد من رجال القانون الدستوري تخوفاتهم من تداعيات توافق  الحزام  الحكومي  الذي يشكل الأغلبية في البرلمان لأن النتيجة الحتمية له ستكون  المحاصصة الحزبية وستفضي إلى انتخاب محكمة دستورية  خاضعة كليا أو جزئيا  لفصائل التحالف  الذي نهض على التموقع والغنيمة ولاؤه للأحزاب لا للوطن وستكون المحكمة الدستورية  غير قادرة على  انجاز أهدافها الكبرى  باعتبارها الحارس الأمين للدستور ولدولة المؤسسات والقوانين والراعي اليقظ للمسار الديمقراطي ،والمحافظة على التوازن بين السلطات الثلاث. وبانتخاب هيئة موالية للأحزاب سيتكلس المشهد السياسي وسيكرس دولة المحسوبية والموالاة وستتقلص آو تتوارى دولة القانون بل مجتمع القانون.
X   ــ البرلمان يعيد النص الأول للرئيس
تلقى  البرلمان "كتاب "الرئيس، لم يعتبره البرلمان طعنا بل ردا لقراءة ثانية للقانون المعدل للمحكمة الدستورية(131) ،¬ صادق يوم الثلاثاء 4 ماي 2021  على نفس النص بأغلبية معززة 141 وأرجعه للرئيس  الذي صار أمام خيارين :
 أولا ـــ ختم القانون ونشره بالرائد الرسمي  قي ظرف 4 أيام. والملاحظ  أن الرئيس ليس له حق الرد إلا مرة واحدة كما لا يمكن له أن يطعن لأن آجال الطعن انتهت يوم 25 مارس
ثانيا ــ التمسك بموقفه الرافض ،باعتبار أن التنقيح الجديد جاء خارج الأجل الذي حدده الدستور( أقصاه سنة) وقد علق نوفل سعيد بان << التصويت الثاني على مشروع قانون لا دستوري لا يُصَيِرُه دستوريا >>
XI  ـــ المعارضة البرلمانية تطعن
استثمرت المعارضة البرلمانية الفصل الذي يسمح لثلاثين من النواب بالطعن في دستورية القوانين فبادرــ يوم 8ماي ـ 33 نائبا وأساسا الكتلة الديمقراطية باستعمال هذا الحق مستندة إلى أن التصويت لم يحترم إجراءات تمرير القانون على الجلسة العامة، ومنها التصويت بالجملة وليس فصلا فصلا. 
XII  ـــ الرئيس  يرفض
رفض رئيس الدولة التعديل البرلماني متمسكا بموقفه من المحكمة فهي:
أولا ــ منتهية حيث لم يقع تجديدها في الآجال القانونية الملزمة( الآمرة)
ثانيا   ــ وسيلة لتصفية الحسابات السياسية
تلك هي أهم  الإشكالات التي تطرحها المحكمة الدستورية. فهل  تستطيع الثورة  أن تصحّح مسارها بعيدا عن أساليب المقايضة ، وإلى أي مدى ستوفّق  على المحافظة على سلامة الوطن وعلى المسار الديمقراطي  ؟
             سالم الحداد  زرمدين/ المنستير "النص المحين"22 ماي 2021

ملاحظة هامة: إن الآراء الواردة في هذا الركن لا تلزم الا أصحابها ولا تعبر في شيء عن رأي "الشعب نيوز".