وطني

في الذكرى 13 لرحيله : محمد الشرفي رجل الفكر والثقافة مؤسس نقابة المحاضرين ومدينة العلوم

 
بقلم الأستاذ ابراهيم بن صالح    

يصادف السادس من جوان 2021 الذكرى الثالثة عشرة لرحيل الأستاذ محمّد الشرفي ثاني رئيس للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وإذ أترحّم بهذه المناسبة على روح هذا المفكّر الفذّ والحقوقي الكبير أرى من الوفاء لقامة من قامات الفكر الحقوقي أن أذكّر بأهمّ مراحل حياته وأبرز محطّاته النضالية و خصاله العلمية للذين لم يعرفوا الرجل أولم يدركوا عن قرب آثاره في الحياة الوطنية 
هو محمد بن عبد السلام الشرفي ولد بصفاقس في 11 أكتوبر سنة 1936 عرف بدايات من التربية التقليدية إذ كان والده شيخا في العلوم الدينية ومرجع نظر في الفقه وحاز ثقافة سياسية دستورية في أوائل عهده بالشأن العام حصل على البكالوريا سنة 1957 ونال من الجامعة التونسية الأستاذية في الحقوق سنة 1961 ليواصل دراسته بباريس .عاد إلى تونس سنة 1964 وعمل أستاذا بكلية العلوم القانونية . حصل على الدكتوراه في القانون من باريس سنة 1967 وعلى التبريز سنة 1971 
لقد كان الأستاذ محمّد الشرفي رجل علم ونظر في القانون مجال اختصاصه و صاحب أطروحات فيه وكان رجل الفكر والثقافة قديمها وحديثها ولئن كان تقليدي المنشإ والتكوين الأوّلي فقد عاش حياته حداثيّا وصاحب منزع تحرري تقدّمي ترجم جميع هذا في عدة محطات نضالية نذكر له منها :
ـــ تولّيه الكتابة العامة في منظمة الاتحاد العام لطلبة تونس بباريس ـــ مساهمته سنة 1962 في تأسيس " مجموعة الدراسات والعمل الاشتراكي بتونس " المشهورة بمجلّتها " برسبكتيف " التي استقال منها سنة 1968 ورغم ذلك حوكم بسببها مدة عامين من السجن .ـــ تأسيسه في 1972 نقابة الأساتذة المحاضرين ــ تولّيه سنة 1982 منصب نائب لرئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ثم رئاسة الرابطة في المؤتمر الثاني  تعويضا للدكتور المرحوم سعدون الزمرلي 
ومنذ توليه رئاسة الرابطة بالنيابة في 1985 وإلى غاية رئاسة الرابطة إثر مؤتمر 12 مارس 1989 تمكّن الأستاذ محمّد الشرفي وبمساع واجتهادات نوعيّة من عدّة شخصيات رابطية من حمل السلط الرسمية على اجتناب تنفيذ أحكام بالإعدام وتمكين بعض التنظيمات السياسية من التأشيرة القانونية ومن مراجعة مدة الإيقاف التحفظي التي كانت تطالب بها الرابطة منذ 1977 وإلغاء محكمة أمن الدولة وكل المحاكم الاستثنائية وإطلاق سراح سجناء الرأي الذين كانوا يُعدّون بالمئات بمن فيهم الإسلامويون والموافقة على إمضاء المعاهدة الدولية ضد التعذيب ومراجعة قانون الصحافة الأمر الذي سمح بشيء من حرية التعبير وتحسين الوضع المادي للقضاة ضمانا لاستقلاليتهم ومراجعة وضع السجون لتحسين ظروف المساجين, 
هذا وقد عُرف الأستاذ محمّد الشرفي بين الرابطيين برجاحة العقل وصواب التفكير وبدماثة أخلاقه وعلوّ همّته وهدوء طبعه وروحه الوفاقية ومقاومته الشديدة للميز العنصري والديني و تأييده لقضايا المرأة العادلة حرص على ترجمة هذا في ميثاق خاص بالرابطة رغم اعتراض الإسلامويين وألحقه بالقانون الأساسي والنظام الداخلي
في 11 أفريل 1989 اقتُرح عليه تولّي وزارتي التربية والعلوم فقبل الاقتراح بعد استشارات واسعة مع ثلّة من المثقفين والسياسيين التقدّميين الأمر الذي لم يرض الاتجاه الإسلامي فبعد أوّل صدام مع الاسلامويين عندما كان رئيسا للرابطة وبمناسبة صياغة الميثاق زادت العلاقة تدهورا في جوان 1989 حيث طالب الاسلامويون بعزله من الوزارة بدعوى انحرافه بالإسلام عن وجهته . ثم كانت له مواجهات مباشرة معهم عن طريق الذراع الطلابية للاسلامويين بشن الإضرابات والاعتصامات التي أرهقت الوزارة وعطلت المصالح الطلابية مرارا عديدة .
كان يحلم بإنجاز مشروع إصلاحي لتونس قاعدته إصلاح المنظومة التربوية على أساس العلوم والمعارف المكينة والقيم الوطنية والإنسانية ـــ إذ هو من كان وراء تأسيس مدينة العلوم ـــ فالتفّ حوله كبار الأكاديميين والبيداغوجيين المتنوّرين وأرسى قواعد متينة للبرامج والمقاربات البيداغوجية فتحقق بعض النجاح لكنّه كان دون المأمول لأن الحيز الزمني الذي ضربه لنفسه لم يكن يكفي لتحقيق غرضه فضلا عن حاجة عملية الإصلاح إلى إرادة سياسية أقوى مما كانت عليه وأكثر إيمانا بالمشروع الذي سطره مع أفرقة عمل جلّى من النخبة التونسية.. 
كان الأستاذ محمد الشرفي يحظى بتقدير دولي كبير الأمر الذي ساعده على تأسيس جمعية " لقاءات مغاربية " وعن طريقها ساعد في تقريب وجهات النظر المختلفة بين الرابطيين في الجزائر ونال ميدالية اليونسكو   لإنجازاته التربوية وأصبح عضوا بالمجلس التوجيهي للمعهد الأوروبي المتوسطي وعضوا بمجلس الإدارة للمؤسسة العربية للفكر الحداثي ودعي في 2004 ليكون خبيرا لدى برنامج الأمم المتحدة للتنمية مثلما اختيرعضوا في اللجنة العليا التي كلفها الأمين العام للأمم المتحدة بحوار الحضارات هذا فضلا عن المهام الدولية التي كلفه بها الأمين العام شخصيا في الصومال وغيرها منذ 1996.
لجميع هذه الخصال العلمية والحقوقية سيظلّ الأستاذ محمّد الشرفي منارة في العلم ومرجعا في النضال الحقوقي تعتزّ به تونس وتفخر به. 
رحم الله سي محمّد.

إبراهيم بن صالح ، عضو الهيئة المديرة للرابطة التونسية
 للدفاع عن حقوق الإنسان
ملاحظة : العنوان من وضع التحرير