آراء حرة

.تونس الحائرة بين فتنة الغنّوشي واستخراجه جثّة البرلمان وترّدد سعيّد الذي أخّر الدفن ثمانية أشهر..الحل ممكن

  بقلم: خليفة شوشان

تسارع الزمن السياسي التونسي المخصّب بتدخّلات سافرة ووقحة أمريكيّة، وانفتاح المشهد على كلّ ممكنات التدويل التي يستجديها البعض تسوّلا صريحا لا تحكيما وتلميحا، ومع تردد رئيس الجمهورية قيس سعيّد وعناده واضاعته الوقت لدفن المنظومة الكسيحة التي سمّمت عشرية الثورة وشرعت ابواب البلاد على كلّ التدخلات وحسمه الازمة السياسيّة الخانقة التي زادتها الازمة الاقتصاديّة والماليّة المزمنة تعقيدا بما يؤشر لاقتراب حدوث انفجار اجتماعي سيقلب الطاولة على الجميع ويدخل البلاد في المجهول.

أمام كلّ هذه التحوّلات العاصفة يجد سعيّد الممسك بكلّ السلطات نظريّا والمفتقد لشوكتها واقعيّا نفسه في وضع لا يحسد عليه في مشهد سريالي يكاد يكون فيه بخطابه الاحتجاجي على المنظومة والرغب في تفكيكها معارضا وخصومه المدافعين عنها وعن نفوذهم فيها وما غنموه منها طوال العشريّة سلطة.

الغنّوشي وفتنة الاخوان بتكريس ازدواجيّة السلطة والشرعيّة

تمرّ البلاد خلال الساعات القادمة بأخطر المنعرجات السياسيّة بعد 25 جويلية ومنذ الأزمة التي عاشتها اثر اغتيال الشهيدين محمد براهمي وشكري بلعيد سنة 2013 وما اعقبها من اصطفافات حادة انتهت بصفقة التوافق واقتسام غنيمة الحكم بين الباجي والغنوشي.

بين مخاوف جديّة بنوايا بعض محترفي الارتزاق السياسي تفجير الدولة من الداخل والذهاب في اتجاه خلق شرعيتين تتنازعان السلطة، واحدة في قرطاج رئاسية بقيادة سعيّد واخرى في باردو برلمانية بقيادة الغنّوشي وكلّ المستفيدين من منظومة تحالف قوى الريع السياسي والاقتصادي المافيوزي الاخواني على شاكلة ما حدث في ليبيا من تنازع للشرعية بين حكومة طرابلس وبرلمان طبرق، وبين تهديدات سعيّد خلال الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن القومي بتطبيق القانون على المتجاوزين وما سينجرّ عن ذلك من تداعيات لن تخدم الا أعداء تونس وأجنداتهم المشبوهة.

حلّ البرلمان والتخلص من عشّ الافاعي الاخوان

سعيّد اذا أمام احتمالين، إمّا الذهاب إلى حلّ البرلمان والتخلّص من عشّ الأفاعي الاخوانيّة واخطبوط منظومة الفساد المتحالفة معها، ويكون بذلك قد تراجع وأنهى خارطة الطريق والمواعيد السياسيّة التي وضعها بعد 25 جويلية والتي أكد من خلالها اجراء استفتاء شعبي حول الاصلاحات الدستورية والسياسية يوم 25 جويلية وانتخابات تشريعيّة يوم 17 ديسمبر.

وخضع لألدّ خصومه السياسيّين ومنحهم فرصة لاعادة الانتشار فب مفاصل الدولة والتسرّب إلى مؤسساتها لمواصلة عبثهم ولعبتهم السياسيّة بنفس القوانين التي انتجت المشهد البرلماني والسياسي الذي ثار عليه الشعب وأنتج لحظة 25 جويلية.

وفي أقلّ الحالات سوء سيمهد بقراره الطريق لأحد مستنسخات التجمّع المقبور الحزب الدستوري الحرّ وزعيمته عبير موسي لقطف ثمار الحراك الثوري والمرحلة الاستثنائية وانهاء قوس الثورة بغثّه وسمينه وشطب طموح الرئيس السياسي.

 الخضوع للأمر الواقع والتراجع المذلّ عن فرصة التصحيح

أما الاحتمال الثاني فيتمثّل في سماح سعيد للغنّوشي باجراء جلسته العامة وتنفيذ مشروعه الانقلابي على كلّ الاجراءات والقرارات والمراسيم التي أعقبت 25 جويلية والعبث بالدولة والدفع بالبلاد إلى الفوضى بلعب تكتيك تعدّد الشرعيات (لعبة الاخوان المفضلة من السودان الى سوريا وليبيا ... ) وجرّ الرئيس والشعب التونسي إلى القبول مرغمين بعودة البرلمان الذي تقيؤوه وثاروا عليه واحتفلوا بتعليق أشغاله، وبذلك يكون سعيّد قد خسر كلّ شيء وانتحر سياسيا وخضع فعليا لاملاءات الامريكان الذين أوعزوا لبيادقهم وطابورهم الخامس في الداخل ومنحوهم الضوء الأخضر للتصعيد والمرور إلى خيار لطالما برعوا في ممارسته كلّما حوصروا وتقلصّت جماهيريتهم وشعبيتهم واستشعروا انكشافهم وقرب نهايتهم.

صمت سعيّد وتردده في اتخاذ قرار وطني قد يصل إلى حدّ اتهامه بالتقصير والخيانة العظمى خاصة مع تقاطع العديد من المعطيات والمعلومات التي تؤكد أن قرار الغنّوشي يأتي مباشرة بعد زيارة وكيلة وزير الخارجيّة الأمريكيّة الى تونس ومتزامنا مع الرسالة التي أمضاها قرابة 21 من أعضاء الكونغرس الأمريكي يوم 25 مارس 2022 ومطالبتهم الفجّة الرئيس الامريكي بمراجعة الاعانات الامريكيّة إلى تونس بما في ذلك الموجهة إلى الجيش والأمن الوطنيّين وايقاف مفاوضات صندوق النقد الدولي مع تونس وهو مربط الفرس والسبب الرئيسي وراء القرار من اجل افشال محادثات الدولة التونسيّة للحصول على قرض حيوي وضروري لانقاذ الموازنة الماليّة ومنع الانهيار الاقتصادي، والغاية غير الخفيّة الدفع إلى مزيد تأجيج الأوضاع الاجتماعيّة قصد تجويع الشعب ودفعه إلى الانتفاض ضد قيس سعيّد وانهاء شرعيّته ومشروعيّة وتحميله المسؤوليّة عن كلّ الكوارث والأزمات التي تحدث اليوم في تونس والسماع باعادة تدير حركة النهضة وعودتها إلى الحكم بشكل مباشر أو من خلال غوّاصاتها وحلفائها.

الحلّ في التنازل للعمق الوطني والتراجع خطوة الى الوراء للتقدم بالبلاد خطوتان إلى الأمام

هل انعدمت كلّ الحلول الأخرى وبات سعيّد امام قدرين لا ثالث لهما امّا التنازل إلى منظومة ما قبل 14 جانفي او التسليم لمنظومة ما قبل 25 جويلية؟

الحلّ بنظري ممكن أمام سعيّد وإن تأخر ثمانية أشهر، فقط إذا صدقت نواياه الوطنية وهي صادقة وان أساءت التقدير وأخطأت سبيلها واسلوبها ومنهجها وأدواتها، وإذا خا تسلّح بقاعدة بسيطة أن "السياسة فنّ الممكن" وأنّ "ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه". وأن يبتعد عن التردّد والعناد السلبي ويؤجل كلّ مشاريعه السياسية التي تأكّد مع محدوديّة الاستشارة أنّها مسقطة واذا لم ينجرّ وراء نصائح مستشاري السوء محدودي التجربة والمسكونين بالسلطويّة واستسهال اعتماد الحلول الامنيّة والقضائيّة التي جرّبت ففشلت ولم تفعل سوى تعزيز تأثير خطاب المظلوميّة لدى خصوم الشعب التونسي من الاخوان وحلفائهم ومرتزقتهم.

حلّ بسيط لطالما اعتمدته حركات التصحيح الوطنيّة إذا ما اختلت موازين قواها امام خصومها واعدائها في الداخل والخارج وتمّ ابتزازها بالتهديد والتجويع واستقوي عليها بقوى الهيمنة.

حلّ عنوانه الرئيسي "خطوة الى الوراء وخطوتان إلى الأمام" وتقديم التنازلات الوطنيّة الشجاعة وانكار الذات والتواضع والبناء على المشتركات مع القوى الوطنيّة.. حلّ يقوم على جملة من القرارات الفوريّة، اعلان حلّ البرلمان، الدعوة إلى حوار وطني بمستويين، مستوى اقتصادي مستعجل بين المنظمات الوطنية الكبرى وحكومة بودن حول المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ومستوى سياسي يشرف عليه شخصيا أو لجنة يختارها تمثله مع المنظمات الوطنية الكبرى ومنظمات المجمع المدني التاريخيّة والجديّة وذات التمثيليّة إلى جانب الأحزاب السياسيّة الوطنية الداعمة لمسار 25 جويلية بما فيها المختلفة مع مشروع رئيس الجمهوريّة في البناء الديمقراطي القاعدي والمختلفة حول المرسوم 117 (يستثنى منها بطبيعة الحال احزاب الوفاق الاخواني وكلّ الخونة والمرتزقة الذين ثبت تورطهم في الارهاب والفساد ونهب المال العام والاستقواء بالاجنبي والتٱمر على الدولة التونسيّة)، وتكون من ضمن مهام هذا الحوار السياسي، تعديل خارطة الطريق التي وضعها رئيس الجمهوريّة بما يسرّع في اجراء الانتخابات التشريعية واختيار برلمان جديد.

ضبط الاصلاحات الدستورية والقانونيّة الضروريّة من أجل تغيير جذري للمنظومة الانتخابيّة الفاسدة في كلّ مستوياتها النظام السياسي، هيئة الانتخابات، قانون الاحزاب، قانون الجمعيات واستعجال النظر في حسم قضايا التمويلات واللوبيين ومحاسبة المتورطين. مع التسقيف الزمني لهذا الحوار ومن ثمّة تمريره على الاستفتاء الشعبي واعتماده في الانتخابات التشريعيّة المقبلة، في موعد متفق عليه من المتحاورين منظمات وأحزاب وشخصيات وطنيّة.