وثائقي

النقابيون يودعون رفيقهم حسين بوجرة الباحث والاستاذ ، مؤلف كتاب الطاعون وبدع الطاعون

ودع النقابيون ظهر الجمعة 8 افريل 2022 الى مثواه الاخير بمقبرة الجلاز المناضل النقابي المربي الاستاذ حسين بوجرة الكاتب العام السابق للجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي بحضور الامين العام للاتحاد واعضاء من المكتب التنفيذي والهيئة الادارية ووزير التعليم العالي والبحث العلمي ووزير التربية وعدد من مسؤولي التعليم العالي والجامعات والطلبة الى جانب اسرة الفقيد وعائلته الموسعة. 

وقد انتظم في بهو المقبرة موكب خاشع جرى خلاله تأبين الفقيد العزيز في كلمة مؤثرة القاها الاخ نورالدين الطبوبي نيابة عن مختلف هياكل الاتحاد كما أبنه بنفس المناسبة عميد كلية العلوم الانسانية والاجتماعية 9 افريل بتونس.

جاء في الكلمة التي القاها الاخ نورالدين الطبوبي قوله بالخصوص:

  نَنْعَى اليومَ رحيلَ الأستاذ والمناضلِ الفَذِّ الأخ حسين بوجرّة الكاتب العام السابق للجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي. وإذ ندعو لروحه المُطْمَئِنَّةِ أن تَخْلُدَ لِبَارِيهَا وتَنْعَمَ بِمُنْتَهَى السلامةِ والسكينةِ، فإنّه لا يَسعُنا إلاّ أن نُشيد بخِصاله مُدرّسا كُفُوًا وباحثا مُجدِّدا ومناضِلا نقابيا عنيدا وأن نُشاطر أَلَمَ رفيقةِ دَربِه المربّية الفاضلة سَوْسِن حشيشة وابنته سِيرِينْ وابنيه غسّان وصفوان.
نُودّع مناضلا نقابيّا فذّا أصيلا صُلبًا في المفاوضات عَرَفَتْ معه الجامعة العامة التي تحمّل مسؤوليّتها الأولى لعشرِ سنواتٍ، مكاسبَ عديدةً وجديدةً يَعرِفُها ويُقِرُّ بها كلّ الجامعيين والنقابيين صُلب الاتحاد العام التونسي للشغل ولا يُنكِرُها أحدٌ ممّن عايشوا معه أيَّ مرحلةٍ من مراحلِ النضالِ من أجل تحقيقِها، والتي قادها باقتدار وبكلّ ثقة في النفس وإيمانٍ بمشروعيّةِ المطالبِ.
نُودّع أيضا في الأخ حسين أستاذَ التعليم العالي والباحث العلمي في مادّة التاريخ الحديث. ساهم في مراكمة المعارِف والعلوم وتجديد آليّات البحث عبر منشوراته العلمية القيّمةِ وتأطيرِه للعديد من مُذكّرات الماجستير وأطروحات الدكتوراه فيها.
 سيرة ذاتية مميزة
وُلِدَ الأخ حسين في 31 ديسمبر 1958 بمدينة تونس وزاول تعليمه الابتدائي بمدينة القلعة الصغيرة بالساحل التونسي حيث جُذورُه العائلية، ثمّ عاد إلى تونس لمُتابعة دراسته في المعهد العَلَوِي حيث تحصّل على البكالوريا في جوان 1978 والتحق بعدها بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس أين تحصّل على الأستاذية في التاريخ سنة 1983 وعلى شهادة الكَفاءَة في البحث سنة 1987 بعد أن أَعَدَّ مذكّرةً حول "السياسة السِجْنيّة بالبلاد التونسية من خلال وثائق الضَّبْطِية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر" قبل أن يَنْجَحَ في مناظرة التَبْريزِ في اختصاص التاريخ في مُوفّى السنة الجامعية 1989.
التحق الفقيدُ بالجامعة التونسية بكليّة العلوم الإنسانية والاجتماعية سنة 1990 حيث ساهم بِجِدٍّ ومُثابرةٍ في تكوين أجيالٍ من الطلبة وصَقْلِ مواهِبِ الكثير من الباحثين الشبّان ولعلّ أطروحة دكتوراه الدولة التي ناقشها في جوان 2005 تحت عنوان "الطاعون وبِدَعِ الطاعون، الحراك الاجتماعي في بلاد المغرب بين الفقيه والطبيب والأمير 1350-1820" علامة من العلامات الفارقة في الاختصاص كما يشهد بذلك أهل الذكر. وقد نشرت هذه الأطروحة سنة 2011 من طرف مركز دراسات الوحدة العربية.
كما تَتَّسِمُ أعماله بالتجديد والبحث في مسائِل غيرَ مسبوقةٍ كمَقاليْهِ المنشوريْن في كرّاسات تونسيّة حول ظواهر الإدمان في العصر التُركِي الذيْن قطعا مع المسكوتِ عنه. ويُعْتَبَرُ تحقيقه المشترك لِوَاحِدٍ من أهمّ آثار الأدب المَنَاقِبِي تونسيّا وهو كتاب المُنْتَصِرِ ابن أبي لَحِيَّةَ القفصي "نُورُ الأرماشِ في مَنَاقِبِ القُماش" الصادر عن دار الغرب الإسلامي ببيروت والمكتبة العتيقة بتونس، إسهاما على غايةٍ من الأهمية في تحقيق المصادر ونقدِها، أَثْرَى به المُدوّنة التاريخية التونسية والمغاربية في آنٍ.

مسيرة نقابية مكللة بالمكاسب
وبالتوازي مع هذا التألُّقِ الأكاديمي والعلمي، لا يَفوتُنا التذكير بانخراطه في النضال النقابي الجامعي منذ بدايات القرن إذ تحمّل المسؤولية النقابية تِباعا من سنة 2002-2005 بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس 9 أفريل ومن 2006 إلى 2011 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة قبل أن يقع انتخابه كَكاتبٍ عامٍّ للجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي في مُؤتمرِها الثاني يوم 15 جويلية 2011 لمرّةٍ أولى ثمّ مرّةً ثانية في مؤتمرها الثالث يوم 30 أكتوبر 2016. 
لقد فَقَدَتْ الساحة النقابية والحقوقية في تونس أحد رجالاتها وأقطابها الأوفياء الذين لم يَحِيدُوا أبدا يوما عن المبادئ والقيم التي كرّسوا حياتهم من أجل الدفاع عنها وضَحُّوا في سبيلها بالنفس والنفيس، غير عابِئين بالمنافع والمصالح الآنِيَّةِ.
ستبقى ذكرى حسين بوجرّة حيّةً في نفوسِ كُلِّ من أحبَّهُ صِدْقًا وناضل إلى جانبه دون حسابات.
تغمّد الله الفقيد بواسع رحمته وأسكنه فراديس جنانه ورزقنا وأهله جميعا الصبر على فراقه وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.