آراء حرة

لا يمكن ارساء مشروع وطني او تمش له الحد الادنى من المصداقية او تجاوز المطبات الكبرى دون تشريك المنظمة الشغيلة

 كتب الطيب اليوسفي* : واهم من يتخيل انه يمكن بناء " مبادرة وطنية " او بلورة اي صيغة لتجاوز الوضع الحالي او فتح آفاق جديدة دون الاتحاد العام التونسي للشغل 
فالوقائع والأحداث ما فتئت تؤكد انه لا يمكن ارساء مشروع وطني او تمش له الحد الادنى من المصداقية او تجاوز المطبات الكبرى دون تشريك المنظمة الشغيلة.  والمسالة ليست مسالة مزاجية او مسالة حب او كره او تعاطف او نفور لهذه المنظمة لاسباب ذاتية أو سياسية او عقائدية او مصلحية او غيرها 
   فمهما كان موقف البعض من القيادات المتعاقبة لاتحاد الشغل أو ماخذه تجاهها فالثابت ان تجاهل هذه المنظمة او التقليل من شأنها خطأ جسيم ينم عن جهل وسوء تقدير وانعدام البصيرة. وبالتالي فإن كل مبادرة تتجاهل هذا المعطى او يناى الاتحاد بنفسه عنها تولد ميتة ولا امل فيها ولا رجاء 
   فالاتحاد الذي كان له دوره البارز في معركة التحرير الوطني والذي اقترن اسمه بتاريخ تونس الحديث والذي مثل برنامجه الاقتصادي والاجتماعي اساس توجه الحكومة الأولى بعد الاستقلال والذي كان شريكا في مختلف المحطات الوطنية الكبرى يمثل رقما صعبا لا يمكن طمسه او تخطيه 
   ورغم الهزات والازمات وفترات المد والجزر بقي الاتحاد قائما ولم تفلح محاولات تدجينه او تطويعه او إخراجه من المعادلة الوطنية لانه ببساطة منظمة جماهيرية عريقة ذات انتشار واسع واشعاع راسخة في الواقع ومتجذرة في الترية الوطنية 
   وبورقيبة، وهو من هو، لم يجد مفرا بعد الأزمات مع المنظمة الشغيلة ومحاولات الاستقواء والاحتواء من ترميم الجسور مع الإتحاد العام التونسي للشغل والتعاطي معه كمكون اساسي من مكونات المشهد الوطني 
   بن علي، بدوره، استخلص الدروس من ذلك واقر بمكانة ودور الإتحاد وتعاطى معه كعنصر أساسي في توفير السلم الاجتماعية وحافظ على شعرة معاوية معه خلال الأزمات التي شهدتها البلاد.
   وفي سنة 2013، لما تأزمت الاوضاع وكانت البلاد على فوهة بركان، لم تجد الأحزاب، رغم وزنها النسبي انذاك بدا من اللجوء لاتحاد الشغل لتجاوز المازق من خلال ترؤسه للرباعي الراعي للحوار، فما بالك اليوم والحال على ما هو عليه من تشرذم وتشظ حزبي وقرف المواطنين من اغلب الأحزاب وحرب الكل ضد الكل 
   الاتحاد كان يقرء له ألف حساب لما كانت الدولة دولة فما بالك اليوم في ظل ضعف الدولة ووهنها وتعقد الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتفاقم الصعوبات والتحديات على كافة المستويات 
   على السلطة السياسية الحاكمة اليوم استيعاب هذه الحقائق والمعطيات واعتماد منهح الوضوح والمكاشفة والمصارحة وجعل الراي العام على بينة تامة وبالتفصيل من المخاطر القائمة وتحميل كل الأطراف الوطنية مسؤولياتها لانقاذ البلاد والمرور بها الى بر الأمان 
   وعندما تنقشع الضبابية وتتضح الرؤية وتنتفي المخاتلة فان الاتحاد العام التونسي للشغل لن يجد حرجا في الانخراط في مجهود الإنقاذ والقبول بتقاسم التضحيات وارساء الاصلاحات الهيكلية الضرورية لتفادي الانهيار وتدارك الوضع قبل فوات الاوان 
   وعنما تصبح السيادة الوطنية على المحك وتتهدد المخاطر استقلال البلاد ومناعة الوطن فمما لا شك فيه ان الاتحاد العام التونسي للشغل يغلب المصالح الوطنية العليا على المصالح الفئوية وتصبح الاولوية لإنقاذ  " الشقف " وفقا لمقولة الزعيم النقابي الحبيب عاشور.

-------

* الطيب اليوسفي ،صحفي ورئيس مدير عام وكالة تونس افريقيا للانباء، مسؤول الاعلام والاتصال في رئاسة الحكومة، رئيس ديوان رئيس الحكومة. نشر قبل سنوات كتابا حول خفايا حكومة الحبيب الصيد تحت عنوان " المخاض العسير"

* المقال من صفحته على موقع التواصل الاجتماعي والعنوان من اقتراح التحرير.