وثائقي

ممثل النيابة العمومية يحصي مواقف الحبيب عاشور وعدها معادية للنظام وتوطئة للانقلاب عليه

اخذت مرافعة ممثل النيابة العمومية التي نظرت في قضية قيادة الاتحاد المتهمة بالمسؤولية عن أحداث 26 جانفي 1978 منحى تصاعديا في توصيف التهم التي تم توجيهها الى اعضاء القيادة. فبعد عرض عام، تخلص القاضي الى تفصيل التهم حسب كل متهم في القضية. فقد احصى المواقف والتصريحات ليستخرج منها ما بدا له انه يشكل جريمة.

" يقولون انهم ابرياء؟
فلنرجع الى تصريحاتهم وفيها مع الحجج التي اشار اليها قرار البحث ما ينير سبيلكم ويؤكد ادانتهم:
1) الحبيب عاشور:
ان العلاقات الطيبة والممتازة التي كان يتمتع بها الاتحاد العام التونسي للشغل بعمل واضح من الحكومة ولذاته شخصيا ما لبثت ان تغيرت بفعله ذلك انه اقتنع بحسابات سياسية خاطئة وتبناها فأحاطت تلك العلاقات بالدولة وعرضها للمغامرة فقد اعتقد انطلاقا من الاتحاد العام التونسي للشغل الذي اصبح بفضل ما تحقق للعمال من انجازات وما فتحت الدولة امامه من افاق، قوة جبارة، اعتقد انه في امكانه القيام بدور شخصي اولي في البلاد وقد استجاب في ذلك لنداءات من الداخل والخارج تعمل لمقاومة الحكم القائم بالبلاد وتسعى الى تقويضه وانساق الى خطة سياسية تتناقض مع اختياراته الاصيلة وتتنكر لالتزاماته الثابتة.
فبعد ان كان يتظاهر بالمعارضة لمواقف السيد محمد المصمودي تجاه اختيارات رئيس الجمهورية اصبح ينظم الدعوة له ويفتح السبل امامه للعودة الى مسؤوليات الحكم متأثرا في ذلك بما قاله المصمودي من وجوب تحالف كل القوى حول الحبيب عاشور لمجابهة الحكم القائم في البلاد.
وبعد ان كان يأبى في استخفاف التعاون مع الانظمة العربية المتطرفة شرع في دعم صلات سياسية مشبوه فيها معها، واجراء مشاورات ومحادثات سياسية بقي اهمها سرا وكأنه رئيس دولة.

تحول كبير في المواقف
وبعد ان كان يأبى التعاون مع النقابات الشيوعية عمل على تدعيم الاتصالات والمشاورات مع «س ، ج ، ت» الفرنسية متناسيا الدور الاستعماري الذي لعبه الشيوعيون في تونس في عهد الحماية وضاربا عرض الحائط بالصراع الطويل الذي امتازت به من عهد محمد علي ومع فرحات حشاد واحمد التليلي العلاقات بين العمال التونسيين والنقابات الموالية للشيوعية.
وبعد ان كان يتزعم في مؤتمرات الحزب وداخل الاتحاد المقاومة لمجموعة ما يسمى بالديمقراطيين الاشتراكيين رجع اليهم ورجعوا اليه.
وبعد ان كان يقاوم النزعات اليسارية المتطرفة اصبح يتعامل معها ويأويها داخل الهياكل النقابية ويقوي جانبها ويسايرها وبعد ان كان يهاجم احمد بن صالح وما يدعو اليه اخذ يتبجح بمصالحة تليفونية تمت معه وذهب الامر به ابعد من ذلك اذ اتفق سريا معه ان تكون حركة الوحدة الشعبية المعبر السياسي للاتحاد العام التونسي للشغل.
ونقل هذا النبأ الصحافي موتيمار «Mottimer» في الجريدة الانڤليزية التايمس «Times» الصادرة يوم 28 سبتمبر 1978 الذي التقى بأحمد بن صالح «منذ اسبوع» وقال له «انه ابرم اتفاقا سريا في الخريف الماضي مع الاتحاد العام التونسي للشغل لتكون حركة الوحدة الشعبية المعبر السياسي للاتحاد.
وبعد ان كان مثالا للتساهل في الدين وفرائضه تحالف في صفاقس مع بعض من المتزمتين وشجع اضطرابات اتخذت صيام رمضان تعلة وذلك ارضاء وتزلفا لتحالفات اوسع.
وتغيرت اختيارات الرجل وتبدل سلوكه وتنكر لالتزاماته وبرز ذلك في ضغط سلطهُ على الحكومة لا علاقة له بالرغبات النقابية وفي احداث هياكل تجاوزت الاوساط العمالية وفي مبادرات خارجية كان التعاون النقابي العالمي لها غطاء.
وفي أوت 1977 بدأ الحبيب عاشور يتنكر للميثاق الاجتماعي ويعلن انه لم يوقعه وردد زملاؤه في القيادة وجريدة الشعب هذا الموقف.

جولة كبيرة في البلاد
ودخلت البلبلة في العقول وتساءل الناس في حيرة عن اسباب هذا التنكر السافر اذ لم ينسوا الجولة الكبيرة التي قام بها داخل الجمهورية في أوائل السنة والتي نوه فيها بالميثاق الاجتماعي.
وتزعم التعصب الديني بصفاقس وتبنته القيادة القومية وبرزت في جريدة الشعب التي يرأسها.
وفي 3 سبتمبر تحول الى ليبيا وقد قوبل بحفاوة بالغة فيها من الاخوة ما يذكر بالكرم العربي وفيها من السياسة ما لم يغب على احد.
وقوبل في ليبيا لا كزعيم نقابي فحسب بل رجل سياسي له ساق في الحكم، فهو عضو في الديوان السياسي للحزب وساق واي ساق في التصارع ضد الحكم بفضل ما خلقه من بلبلة حول التنكر للميثاق الاجتماعي وحملة الاسعار في رمضان.
وقوبل في ليبيا كزعيم عربي مسلم غيور يذود عن الدين ويدافع عن تقاليده ويهاجم المتساهلين في شأنه.
وتقابل صحبة السيد محمد المصمودي مع العقيد معمر القذافي وتناولت المحادثات امورا شتى نجهل اكثرها وأهمها.
ومعلوم ان السيد محمد المصمودي اطرد من الحزب واعفي من الحكومة لخلافه مع رئيس الدولة حول مواضيع جوهرية وهو معروف بمواقفه من الحكومة ومن اعضائها وقد صرح الحبيب عاشور ذاته حسبما هو مسجل ببطاقة استنطاقه انها لا تشمل ولو سياسيا واحدا او حزبيا حقيقيا ومخلصا.
ونددت حريدته وجريدة اتباعه  بعددها الصادر في 21 اكتوبر 1977 (جريدة الشعب في 21 ـ 10 ـ 77) بتداخل الجيش واستغربت من ان تعمل الحكومة على المحافظة على الامن وحماية الاشخاص وصيانة المكاسب ومقاومة الفوضى.
وأوضحت بذلك خطتها الداعية والعاملة الى نشر الفوضى وتعميم الاضطراب تقويضا لاركان الدولة.
وفي 23 ديسمبر 1977 لما ادخل على الحكومة تحوير واعفي بمقتضاه وزير الداخلية وتخلى عدد من اعضاء الحكومة اعلنوا عن استقالاتهم ايد الحبيب عاشور الوزراء المقالين والمتخلين، وربطت جريدة الشعب تخليهم بالوضع العام للبلاد وبالتصور الجديد الذي ظهر في الحكومة لوسائل وسبل معالجة الوضع العام الراهن جريدة الشعب (30 ـ 12 ـ 77).
ونسبت للحكومة الشرعية ولرئيس الدولة اختيار «التصلب والقوة» (انظر جريدة الشعب).
وقالت:
«ان مواقف الاتحاد العام التونسي للشغل لا يمكن ان تكون الا تجسيدا لمطامح العمال والطبقات الشعبية في العدالة وتعبيرا عن ارادتهم في الديمقراطية وان هذه الديمقراطية ليست كلاما بل يجب ان تكون واقعا ملموسا وحياة معاشة في كل المستويات والاتحاد العام التونسي للشغل عملا برسالته تلك وما تحمله قدرته على العمل من مسؤليات سيقف بحزم ونجاعة ضد كل تصرف يبيح العنف ويحول العدالة والديمقراطية الى مجرد شعارات.
وفي هذا الموقف السياسي الصرف تداخل لقيادة الاتحاد في شؤون الحكومة وتنكر للدستور محاولة لبعث الفتنة في هياكل الدولة وتشجيع للخلافات وافساح المجال للشغب والفوضى ودعمهم للفوضي المنجرة على الاضرابات المتوالية وللتحالفات السياسية التي ابرمت مع بعض من الوزراء السابقين وواصلت قيادة الاتحاد استنادها لاسباب ظرفية ليست متأصلة في تاريخ الاتحاد على قوى خارجية تختلف اختياراتها الجوهرية مع اختيارات الدولة التونسية وكثيرا ما تناصبها العداء، وانحازت التي تيار التصلب الذي انطلق من بلد شقيق لمهاجمة الرئيس المصري ومن ايد اختياراته او سكت عنها.

اتفاق مع الاتحاد الليبي
ومن ذلك انه في 30 ديسمبر 1977 اتفق الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد العام لنقابات العمال بالجماهيرية العربية الليبية على:
«تفهمهما المطلق مع جبهة الصمود والتصدي، وامضى هذا البلاغ ثلاثة اعضاء بارزون في المكتب التنفيذي في الاتحاد العام التونسي للشغل وهم: حسن حمودية وحسين بن قدور والصاديق بسباس.
وتهيأ للاضراب العام جمع الحبيب عاشور يومي 24 و 25 جانفي 1978 امام دار الاتحاد جماهير من العمال والمفسدين ودعاهم الى مساندة القيادة النقابية واعدا اياهم النصر، وما ان ينتهي الاجتماع ويتم التحريض حتى يتوزع المجتمعون انطلاقا من ساحة الاتحاد بالعصي والحجارة والحديد في شوارع المدينة ينشرون الخوف ويبعثون الاضطراب ويفسدون المكاسب ويحطمون المحلات ويضرمون النيران ويهاجمون اعوان الامن ومركزهم وقد حاولوا الاستيلاء على دار الاذاعة والتلفزة وان الخطة السياسية التي نفذها بغية تقويض اركان الدولة وتبديل هيئتها كان له دور أولي فيها.
وانكم ستجدونه منكرا لكن انكاره لا يصمد امام الحقيقة فان طموحه السياسي كان واضحا من خلال اتصالاته بالداخل والخارج وبمناهضته للوزير الاول ووزير الدفاع الوطني والوزير المعتمد لدى الوزير الاول، وتجدونه احيانا يناقض نفسه بنفسه ويتطاول على السلطة فلكم عينات من هذه التناقضات فتارة يزعم ان علاقته شخصية بمحمد المصمودي وانه التقى معه صدفة بالنزل الذي يقيم فيه ثم تجدونه يصرح بأنه كان مع الصادق بسباس وحسن حمودية وعبد الرزاق ايوب وسعيد قاقي وصالح برور بليبيا وتناولوا الحديث مع المصمودي مرارا وتحادث واياه حول السياسة التونسية وكل ما يدور بالبلاد وحتى بالخارج والح عليه بالرجوع لان بقاءه بالخارج لا يفيده ولا يفيد البلاد.
وصرح مرة أخرى ان الوزير الاول اصبح يجاهره بأنه يقوم بنشاط سياسي لافتكاك الحكم ومن هنا بدأت المشاكل كما صرح بأن الاتحاد يضم جميع النزعات منها البعثي ومنها الشيوعي ومنها الماوي ومنها القومي العربي.
واكد على انجاح الاضراب مصرحا بأنه أوصى ان يكون «اضراب رجال لا اضراب نعاج» وطلب من مخاطبيه رد البال حتى لا يقتلوا.
ولعل غروره اشتد عندما اطلع على ما ينشره احد اصدقائه في منظمات نقابية اجنبية من ان شعبيته كبيرة جدا وانه معتبر خلفا للرئيس بورقيبة وعندما قر في جريدة السفير المؤرخة في غرة اكتوبر 1977 ما دعات اليه المصمودي من التفاف حول الاتحاد العام التونسي للشغل باعتباره اكبر قوة في البلاد وباعتبار «عاشور» رجلا قويا له انفتاح على دولتين مجاورتين.

مطامح سياسية
واني اكتفي بهذا لابرز لكم بالاضافة الى ما بالملف من تصريحات وللشهود ما يكفي للتدليل على مطامحه السياسية وعلى ان الاحداث التي جدت كانت ترمي الى بلوغ المناصب السياسية في البلاد، فانتهج لذلك سبيل الاعتداء على امن الدولة الداخلي وعلى أمنها الاقتصادي بالوسائل الهجومية التي سبق ان اشرت اليها استنادا على القوى الداخلية المناهضة والاجنبية المناوئة غير خاف الاجتماع مع السيد محمد المصمودي المعلن عن مناهضته للحكومة ورئيس الدولة لم يهضم عدم الاستجابة لمنهاجه السياسي ولا ادل على ان الاجتماع كان سياسيا من ان يستاذن رئيس الدولة ذاك الحبيب عاشور في ان يحضر معهما متنبئ العرب في القرن العشرين دون ادنى سبب.
بالاضافة الى ما بينت فقد صرح المتهم الحبيب عاشور أمامكم في الجلسة قبل الاخيرة قلت للهادي نويرة ما نحبش الحكم وطلبني في وزره ومنهما هذا اللي  كان قبل (يقصد محمد بن عز الدين) والصادق بسباس ورفضنا.
وهذا العرض الذي يرويه المتهم ان دل على شيء فانما يدل على رغبة الحكومة وعلى رأسها السيد الوزير الاول وعنايتها في تشريك الاتحاد في مسؤولية البلاد.
كما صرح امامكم ايضا السيد براون ان الحبيب عاشور افاده ان الوزير الاول كلفه ليطلب منه التدخل لدى الحكومة الامريكية لزيادة الدعم الاقتصادي والعسكري بتونس.
أو ليس في هذا دليل اخر على ان الحبيب عاشور كان محل ثقة الحكومة والوزير الأول حتى يعهد اليه بجليل الامور نظرا لما يتوسم فيه من خير والرغبة في تشريكه في كل كبيرة وصغيرة."