محمد المصمودي يشهد أمام محكمة أمن الدولة في 1978 أن الاتحاد قوة هامة وانه بريء من احداث 26 جانفي
خصصت محكمة أمن الدولة المكلفة بالنظر في قضية قيادة الاتحاد سنة 1978 جزء من أشغالها للاستماع الى شهادات عدد من الشخصيات السياسية التي كانت لها علاقة بالاتحاد وقيادته من قريب او بعيد.
كما استمعت الى تصريح كان أدلى به المرحوم الأخ عبد الرزاق غربال الكاتب العام آنذاك للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس يوم 12 نوفمبر 1977 على اثر الاضراب الاحتجاجي على محاولة اغتيال الامين العام الزعيم الحبيب عاشور والى كلمة جهة صفاقس في المجلس الوطني للاتحاد المنعقد ايام 8 و 9 و 10 جانفي 1978.
حضر تلك الجلسة التي انعقدت يوم 3 أكتوبر 1978 كل من السادة كلود جرمون ممثل «الاشتراكية الدولية» وجون فان درفيكن نائب الأمين العام للكنفدرالية العالمية للنقابات الحرة (سيزل) والمحامي الاستاذ جوسران محاميها والاستاذ سعد الدين الزمرلي رئيس رابطة حقوق الانسان.
شهادة محمد المصمودي
في هذه الحلقة، نتعرف على شهادة المرحوم محمد المصمودي المناضل الدستوري الكبير، شارك في مفاوضات الاستقلال وتولى سفارة تونس في باريس ثم وزارة الاخبار ووزارة الخارجية. اختلف في عديد المناسبات مع الرئيس الحبيب بورقيبة الذي عزله من جميع مناصبه واطرده من الحزب الدستوري. عاش في فرنسا وليبيا والسعودية وقضى بقية عمره في تونس. ارتبط بصداقة متينة مع قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل ومن بينهم فرحات حشاد والحبيب عاشور واحمد التليلي.
يقول: تعرفت على الحبيب عاشور الذي كان يكبرني سنا ايام الكفاح التحريري بواسطة فخامة رئيس الجمهورية السيد الحبيب بورقيبة الذي كان حدثني عنه طويلا وعن نضاله مشيدا بإسهامه في تحوله الى الشرق للدعوة للقضية الوطنية وبمواقف اخرى ايام الفتنة اليوسفية وفي مؤتمر صفاقس بالذات كما كان حدثني عنه ايضا المرحوم فرحات حشاد واصفا اياه بكونه في استطاعته ان يخلفه ان اقتضى الامر ذلك وانه عماد من أعمدة الاتحاد والمؤسسين له والمتحلين بانتمائهم الى الحزب الحر الدستوري التونسي.
تعرفت على عاشور في السجن
كما تعرفت عليه مباشرة اثناء ايقافنا بالسجن المدني اذ كان هو موقوفا في قضية زغوان وكنت انا موقوفا في قضية مقتل الشاذلي القسطلي كما عرفت فيه المسؤول الذي يعرف كيف يتحمل المسؤولية وكنا في الفترة الاولى للاستقلال واثناء الفتنة اليوسفية وفي عهد التعاضد مع ثلة من المناضلين منهم السيد الهادي نويرة وبعض الوزراء الموجودين الآن بالحكم نوصف بالبورقبيين المتعصبين دون قيد وما كنا نعتبر آنذاك شعورنا هذا وصمة.
واني عرفت فيه صفات المسؤول الذي يقدر مواقفه ويقدر الظروف وبالرغم عن مساهمته الفعالة اثناء الكفاح التحريري الا انه فيما بعد لا يتسم بالعنف وأكبر دليل على ذلك انه لم يلتجأ الى العنف خلال سنة 1965 عندما كان يشعر بمضايقته وتعرضه الى مظلمة انتهت بإقصائه عن المسؤولية النقابية وبسجنه حتى انه كان يصرح باستنكاره للأنظمة العسكرية القائمة على العنف وقد صرح بذلك بمحضري أمام العقيد القذافي.
عاشور ليس مسؤولا عن احداث 26 جانفي
واني شخصيا لا اعتبره مسؤولا عن الحوادث التي جدت بالبلاد يوم 26 جانفي 1978 الا اذا ثبتت مسؤولية الاتحاد في ذلك واني استنكر الاحداث التي جدت بالبلاد يوم 26 جانفي 1978 وما ادى اليها واطالب بتحديد المسؤوليات ولم نكن نتوقع ان تحدث بالبلاد التونسية التي عرفت بالاتزان في مواقفها في عالم عربي ممزق.
وعند معارضته بأنه كان توقع فيما صرح به على لسان الصحافة ان تصبح تونس لبنان الغرب، ذكر انه فعلا صرح بكونه يخشى ان تصبح تونس لبنان الغرب بعدما بلغه من محاولة الاعتداء على الحبيب عاشور ولم يبلغه في ذلك الوقت ان الامر مجرد تهديد كما بلغه من عدة مصادر منها الحبيب عاشور نفسه بوجود مجموعات بصدد التسلح والتدرب على السلاح وقد صرح بذلك اثناء احد اجتماعات الديوان السياسي ثم احداث قصر هلال التي ابلغه امرها وتفاصيلها الحبيب عاشور وبعض من أصيلي قصر هلال
وقال محمد المصمودي: لقد استنكرت تدخل الجيش اعتقادا مني ان كل قضية يمكن حلها بالحسنى وتفاديها قبل ان ينخرم الامن لكن اذا وقع انخرام الامن فمن حق الحكومة القيام بواجبها بالطريقة التي تراها كفيلة لاستتباب الامن.
جواب عن سؤال:
اني فعلا صرحت لجريدة المنار البيروتية الصادرة في 9 نوفمبر 1977 بكوني رتبت زيارة الحبيب عاشور الى ليبيا في المرة الاولى وكان ذلك اثر ما ابداه لي الحبيب عاشور من رغبة في زيارة ليبيا بعد ان تلقى دعوة من المنظمة الشغيلة الليبية وكان صرح لي انه بلغه انه في صورة تحوله الى ليبيا قد يخشى على نفسه فطمأنته الى انه لا يخشى اي خطر وقد التقيت به في ليبيا في المرة الاولى التي سافر فيها ولم اقم بأي ترتيب ضرورة اني لا اتوقع ان يخشى على الحبيب عاشور في ليبيا الا اني اعتقادا مني انه نظرا لصفة الحبيب عاشور كعضو في الديوان السياسي ولمسؤوليته في المستوى القومي ربما تكون لزيارته نتائج ايجابية في المسائل المعلقة بين الدولتين كمسألة الجرف القاري ولم اقم بأي ترتيب خاص لاجتماعاته اذ ان الذي قام بذلك هي النقابات الليبية التي دعته ولم احضر مقابلته الاولى مع العقيد القذافي وقد زرنا معا الرائد الخويلدي الحميدي الذي كان في ذلك التاريخ بصدد المعالجة بالمستشفى وقد حضرت مأدبة غداء اقيمت من طرف احد المسؤولين الليبيين على شرف الحبيب عاشور والوفد المرفق له.
جواب عن سؤال:
اني اقترحت في كتابي «العرب وسط العاصفة» وفي تصريحاتي للصحف ان في استطاعة الحبيب عاشور ان يقوم بمبادرة مصالحة قومية اعتبرها ضرورية وخلق جو ومناخ ملائم بين ليبيا وتونس ولست مؤهلا لتحميله مسؤولية حكومية وقيامه بذلك العمل حسب اعتقادي وتصوري لا يحتم ان يتحمل مسؤولية حكومية وربما يكفي في نطاق عمله بالديوان السياسي وصفته النقابية ان يكلف من طرف فخامة الرئيس بمهمة مصالحة وقد اعربت عن ذلك ايضا في برقية وجهتها الى مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل المنعقد خلال شهر مارس 1977.
جواب عن سؤال:
هل يرى ان حكومة عمالية تكون مؤهلة لادارة البلاد وهل يتوقع ان تكون اصلح من الحكومة القائمة اجاب: ان ليس من اختصاصي ان اعين الحكومات ولكنني كنت اتصور ان في تكليف العمال بوزارة لها مساس بالمالية كوزارة الاقتصاد او المالية او التجارة طريقة من الطرق التي يمكن بها للعامل ان يقدر حق التقدير امكانيات البلاد وطاقتها لتحقيق مطالب حتى يعتدلوا في مطالبهم بترك ما لا تستطيع ان تتحمله البلاد ويتحملوا مسؤوليتهم في البحث عن طرق اخرى من شأنها ان تزيد في مقومات البلاد وقصدي من الطرق الاخرى التفتح اكثر فأكثر على البلاد العربية.
جواب عن سؤال:
اني فعلا صرحت لجريدة النهار الصادرة في 9 نوفمبر 1977 ولغيرها من الصحف بأني عائد الى تونس متى اشار عليّ الاصدقاء بذلك واصدقائي الذين اقصدهم كثيرون بالداخل والخارج ومنهم الدستوريون ومنهم النقابيون ومن بينهم الحبيب عاشور وغايتي من ذلك الرجوع في جو ملائم هو جو المصالحة الذي ادعو اليه ولا زلت ارغب في تحقيقه وهو ما اقصده بالتهدئة خاصة واني اخرت عودتي في مناسبتين او ثلاث مناسبات اثر حملات شنت عليّ وهو ما لا ارغبه ولا اعتبر نفسي لا مهدي منتظر ولا عندي عصا موسى احل بها المشاكل وانما اساهم في حل مشاكل البلاد متى طلب مني ذلك واعتز بأني كنت قد اسهمت في الماضي قدر جهدي في خدمة بلادي.
سؤال: جاء في تصريح لك يوم 19 سبتمبر 1974 ما يأتي: «ان الرئيس بورقيبة لم يعد جديرا بأن يبقى الرئيس الحاكم والمرجع الاعلى بعد تهجماته علي بغضب». وعلى هذا الاساس اصبحت غير راض عن منهج الرئيس بورقيبة ونتيجة لذلك اخذت تبحث عن اتجاه يستجيب لأهدافك السياسية من ذلك انك ربطت الصلة بالحبيب عاشور ورتبت حسب تصريحك لجريدة المنار الصادرة في 9 نوفمبر 1977 زيارته الى ليبيا المرغوب شرح نتائج تلك الزيارة وما وقع اتخاذه فيها من مقررات:
الجواب:
اني لا ارى وجود أي صلة بين تصريحي الذي أدليت به يوم 19 سبتمبر 1974 وزيارة الحبيب عاشور الي ليبيا الواقعة في ماي 1977 فقد ادليت بتصريحي الاول اثر وصفي من طرف الرئيس بقيامي بصفقات مشبوه فيها فيما يخص طائرات ميراج بيعت من فرنسا الى ليبيا وقد تألمت لهذا التصريح الذي عقب مؤتمر الحزب المنعقد بالمنستير وكنت طلبت من الرئيس المشاركة فيه لكن لم ادع لحضوره ووقع التهجم علي من طرف بعض المؤتمرين وكنت اتوقع من ان الرئيس سينصفني في هذه المرة كما انصفني في مرات سابقة اذ اني اعتبره بالنسبة لي المرجع والملاذ،
وقد ثبت فيما بعد ان لا دخل لي في قضية الميراج حسبما ثبت ذلك في قضية نشرت في الموضوع بفرنسا بينما زيارة الحبيب عاشور الى ليبيا وقعت في ماي 1977 اي بعد ثلاث سنوات كنت اتصل خلالها بالحبيب عاشور عند مروره بباريس اذ كان يزورني او يتصل بي هاتفيا كاتصاله بي من قبل عندما كنت مسؤولا في الحكومة اذ لي معه صلة صداقة كما بينت لكم من قبل.
وفي خصوص ترتيبي لزيارته الى ليبيا فكما بينت لكم من قبل انه صرح لي اثناء مقابلة لي معه بباريس او بجينيف انه في صورة تحوله الى ليبيا قد يخشى على نفسه (ملاحظة التحرير: كان يخشى ردة فعل الليبيين نتيجة موقفه الرافض لاتفاق الوحدة بين تونس وليبيا المعلن في جانفي 1974 بجربة) ويفضل ان اكون موجودا بليبيا اثناء زيارته لها.
ولما طلبنا منه تفسير ما يخشاه الحبيب عاشور او ما قيل له من كونه يخشى عليه ذكر انه اخبره بأنه قيل له انه في صورة تحوله الى ليبيا قد يلقي عليه القبض او يحصل له بعض القلق فطمأنته الى انه لا يخشى اي خطر اذ لا موجب لهذه المخاوف وحدثت المسؤولين الليبيين بمخاوف الحبيب عاشور فنفوا لي وجود اسباب للمخاوف.
وتمت فعلا زيارة الحبيب عاشور الى ليبيا وتقابل مع العقيد القذافي بغير محضري وأخبرني بكونه راض عن نتيجة زيارته اذ توصل الى بحث ووضع اسس طيبة لحل مشكلة الجرف القاري كما أخبرني بكونه بين للرئيس القذافي مفهومه للوحدة من كونها تكون على مراحل بعد التقارب بين الشعبين وتحمس الشعبين للوحدة وبنائها فيما بعد على خطوات.
اما زيارته الثانية الى ليبيا فقد كنت موجودا بليبيا لمتابعة اشغال المؤتمر الاسلامي المنعقد بليبيا في ذلك التاريخ والذي كنت عملت فيه وقد دعيت لمقابلة العقيد القذافي مع الحبيب عاشور لما كنا مدعوين للإفطار على مائدة الرائد الخويلدي الحميدي وقد وقع الحديث في هذا اللقاء عن اتصالات الحبيب عاشور بليبيا في خصوص العملة الفلاحيين والمشاريع المزمع اقامتها بين المنظمتين الشغيلتين الليبية والتونسية في مجال الاسكان والاقتصاد والصيد البحري ولم تتخذ مقررات في هذا الاجتماع.
ولما لوحظ له بأن الحبيب عاشور صرح لدينا يوم 22 مارس 1978 بأن العقيد القذافي استشاره في عودته الى تونس وهل من الاصلح رجوعه ام ابقاؤه في الخارج وقد ابدى له رأيه المتمثل في ان عليه ان يدخل الى تونس ويتعاطى اي عمل يرتضيه بما في ذلك السياسة وانه اذا بقي بالخارج ربما ينسى، فأجاب انه ربما وقع ذلك لكنه لا يعطي ذلك اي اهمية ضرورة ان امر رجوعه يهمه شخصيا اذ خرج من تونس حرا ولا مانع من رجوعه اليها حرا.
ولما استفسر عن موجب تدخل العقيد القذافي لهذا الموضوع وهل يفسد حرصه على عودته الى تونس ذكر انه يفسر بأن الجو تحسن بين البلدين ولا مبرر لوجوده خارج البلاد ولا اعتقد ان تحسن الجو بين البلدين والتفاؤل الموجود انئذ يدعو الى رجوعي الي تونس وربما تحدثت مع الحبيب عاشور عن ابتعاد الحزبيين الحقيقيين عن الحزب حسبما يذكر الحبيب عاشور في تصريحه لديكم الذي تتلونه علي الآن وهو مجرد حديث عن الوضع في تونس والاهتمام بكيفية معالجته.
ولمّا سئل عمّا يقصد من الاهتمام بكيفية المعالجة ذكر أنّ قصده من ذلك هو المصالحة القومية وخلق المناخ الملائم لها.
سؤال:
لقد صرحت لجريدة الرأي الصادرة يوم الخميس 12 جانفي 1978 بأنّ الأفضل ان تنظّم الوحدة بالاعتماد على ما من شأنه أن يقوي ويدعم التنظيم الجماهيري مثل ما حدث بين الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد عمّال الجماهيرية الليبية المرغوب الكشف عن الظروف التي تمّ فيها ذلك التنظيم في حدود علمك وما سمح لك بالتصريح بوجوده.
الجواب:
إنّي علمت بالتنظيم أو الترتيبات بين المنظمتين الشغيلتين الليبية والتونسية من الحبيب عاشور أثناء زيارته الثانية الى ليبيا الذي أخبرني باعتزام المنظمتين بعث مشاريع ذات صبغة اجتماعية واقتصادية منها بناء مساكن شعبية رخيصة التكاليف وحسب رأيي أنّ هذا التعاون قد يمهّد الى التعاون بين الشعبين ذلك التعاون المؤدي الى الوحدة المنشودة والتي أتمنّاها من صميم قلبي.
سؤال:
لقد صرحت لجريدة «لومتان» الصادرة في 30 جانفي 1978 باعترافك بالفشل المؤقت لأوّل اضراب تمرّدي عرفته تونس منذ الاستقلال كما جاء في كتابك ـ العرب وسط العاصفة ـ بالصفحة 84 منه قولك (أوليس في امكان منازعة معمّمة ومتهورة بلا داع ولا هدف معين أن تزعزع جهاز الدولة؟ انّ المنازعة الجنونية التي تستمر وتعكّر كلّ شيء قد تكون وحدها قادرة على تعطيل جميع الأمور) فهذا يدل على ايمانك بتكرّر الاضراب التمرّدي أولا بوصفك بكونه أوليا وثانيا بحثك على تكرّره كما جاء في كتابك المذكور.
الجواب:
انّي لم أصف الاضراب بكونه تمرديا ولم أصرّح بذلك للصحافي وان ما كتبه الصحافي هو من أفكاره ومشاهدته ولم ينسب ذلك القول الى فيما كتبه في جريدة «لومتان» وانّي لا أعتقد أن الاضراب تمرّدي الغاية منه قلب نظام الحكم ولا أعتقد ان الحبيب عاشور يقدم على ذلك حسبما أعرفه عليه وعن شعوره بالمسؤولية ولست مسؤولا عن الوصف أو الاستنتاج الذي استنتجه الصحافي والذي لم أعبّر له عنه ولم يصدر عنّي كما أنّه لم ينسبه اليّ على أنّي صرحت له به.
وفيما يخص ما جاء بالصفحة 84 من كتابي «العرب في العاصفة» والذي تلوتم على ترجمة فقرات منه فمبدئيا انّي لا أقرّ الترجمة وثانيا ان الفقرة المذكورة وردت في كتابي في اطار عام عندما كنت أتحدّث عن الوضع في العالم العربي بصفة عامة وكانت تساؤلاتي حول ما يمكن القيام به في العالم العربي من أعمال و مبادرات تجعل مفهومنا للدولة غير المفهوم الغربي وختمت مقالي المذكور وتساؤلاتي بأنّي أتمنّى أن يتواجد في العالم الغربي من الرجال والتفكير والأعمال التي تعطينا مفهوما للدولة يتلاءم مع تراثنا العربي الاسلامي ولم أقصد اطلاقا الوضع في تونس اذ كنت كتبت الفقرة المذكورة منذ ما يزيد عن السنة وطبع الكتاب خلال شهر سبتمبر 1977 اي قبل الأحداث بأشهر ولا أرى أي صلة بين ما كتبه الصحافي عن الاضراب التمردي وما جاء بكتابي وانّي في كتابي لم أتعرَّض إلى كلمة اضراب ممّا يدل على أنّي لم أقصد تونس فلُوحظ له أنّ المقصود هو التمرّد والمتمثّل في تونس بالاضراب العام فنفى وجود أي صلة بين رأيه الذي جاء في كتابه والاضراب العام.
كما لُوحظ له أنّ الأفكار التي وردت في كتابه نفذت في تونس بشن الاضراب العام فلاحظ أنّه لا دخل له في تقرير الاضراب العام باعتباره ليس بنقابي وليس بمسؤول في نقابة ولا دخل له في المقررات النقابية ولا في الأسباب التي حملت النقابيين على شن الاضراب العام.
سؤال:
أوردت نفس الصحيفة تصريحا لك تضمن أنّه اذا تواصل الضغط على الشعب التونسي فإنّ البلدان العربية المجاورة لنا لا يمكن ان لا تحرّك ساكنا فمن هي هاته البلدان التي تقصدها وهل لديك معلومات تؤكد ذلك.
الجواب:
انّي صرحت بذلك لكنّني لم أصرح بكلمة " لاتحرّك " وانّما قلت فاقدة الشعور حسبما جاء في تصريحي المكتوب باللغة الفرنسية وأقصد بالبلدان المجاورة الجزائر وليبيا والمحيط المغربي بصفة عامة وان توقعي هذا استمده من تاريخ العلاقات بين البلدان المذكورة اذ كنا دائما على الأقل متحدين في الشعور وأقصد بالتدخل بالحسنى والاتصال بين المسؤولين والسعي لتفريج الأمور وتوقعي ذلك الافتراض كما صرحت لكم من قبل مستمد من تاريخ المنطقة وتفاعلها في مستوى الشعوب والمسؤولين.
سؤال:
لقد صرحت لجريدة النهار اللبنانية الصادرة في 6 نوفمبر 1977 انّك متخوّف من أن يؤول الوضع في تونس الى ما آل إليه في لبنان من حرب أهلية وأكدت أنّك تتحدّث عن دراية تامة في الموضوع معلّلا بأنّ بعض الأطراف المعروفة في تونس هي بصدد التسلّح كما كانت تستعدّ لعهد ما بعد بورڤيبة فكيف علمت بذلك وما هي مؤيداتك على هذا التسلّح؟
الجواب:
كما صرحت لكم به في سماعي السابق: لقد بلغني من أحد أقارب الحبيب عاشور عن طريق الهاتف، وكنت في جينيف أستعد للسفر إلى لبنان، ان الحبيب عاشور تعرض لمحاولة اغتيال وأنّي نفسي مهدّد بذلك وكذلك بعض الشخصيات الأخرى لم يسمها لي وهذا ما أقصده عندما قلت أنّي أتحدّث عن دراية لأنّي لم أكن أشكّ فيما أبلغه إلى الحبيب عاشور بواسطة أحد أقاربه، فأعربت للصحافة عن مخاوفي كما بلغني أمر التسلح من عدّة مصادر وعلمت أنّ الحبيب عاشور طرح المشكل أمام الديوان السياسي وعلمت أنّ مصالح الأمن أصدرت بلاغا تنفي فيه وجود أطراف تتسلّح.
سؤال:
لقد صرحت لجريدة «لومتان» الباريسية في 30 جانفي 1978 بأنّك كنت تريد أن تتحدّث مع الحبيب عاشور في ليبيا حول مستقبل تونس بأنّ الاتحاد العام التونسي للشغل يبدو لك القوة الوحيدة التي تمكّن من المرور إلى مرحلة جديدة واجتياز أزمة النمو التي تجتازها تونس وقلت بأنّه يجب تغيير النظام الذي يعتمد على شخصية بورڤيبة وأنّ مجلس الأمّة الحالي لم يعد يصلح لشيء ويجب تغيير الدستور والمرغوب منكم بيان أي نتائج بكل وضوح في اختيار الحبيب عاشور كشخص كفء يمكن العبور به إلى مرحلة جديدة لتغيير النظام وحصول الأهداف المشار إليها.
الجواب:
انّي تحدثت مع الحبيب عاشور كلّما لقيته سواء بباريس أو بليبيا حول مشاكل تونس وما ينبغي أن نقوم به للمصالحة اللازمة في تونس والدخول في مرحلة جديدة لمراجعة شؤون البلاد.
وان اقتضى ذلك تحوير الدستور وجعله ملائما للتطور ونظرا لما للحبيب عاشور من ماض سياسي ومسؤولية سياسية وتجربة وزعامة للعمّال أعتقد أنّه المؤهل للقيام بمصالحة وهذا رأيي الشخصي وقد عبّرت عن ذلك أيضا في كتابي «العرب في العاصفة» وفي برقية وجهتها إلى مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل في مارس 1977 وهو قصدي من تحوير النظام.
ولما لوحظ له أنّه يرى أنّ المنظمة الشغيلة هي القوة الوحيدة حسبما يبدو له لاجتياز أزمة النمو والمرور إلى مرحلة جديدة، لاحظ أنّه يقصد بالاتحاد العام التونسي للشغل المنظمة التي يشرف عليها الحبيب عاشور ويحرص على خطّها، ليس على أساس أنّها قوّة مادية وإنّما على أساس أنّها قوّة أدبية.
سؤال:
هل أنّ رجوعك إلى تونس مرتبط بما كان مقرّرا من اضرابات وغيرها من الحبيب عاشور.
الجواب:
لا صلة برجوعي إلى تونس بالإضرابات التي لها صبغة نقابية ولا دخل لي فيها.
سؤال:
لقد صرحت لوكالة فرانس بريس يوم 31 جانفي 1978 بأنّ الرئيس بورڤيبة مريض ولا يستطيع مجابهة المشاكل حاليا ويجب أن تكون لنا الشجاعة على أن نقول أنّنا سنعمل الآن على تنظيم جمهوريتنا بشكل آخر غير شكل الحبيب بورڤيبة، وقلت في مناسبة أخرى أنّك راجع إلى تونس للالتفاف حول الحبيب عاشور وقلت أنادي وأطلب من الاخوة التونسيين أن نلتقي حول الحبيب عاشور كي نبني في الداخل ما يسمّى بالتآخي ثمّ تأتي مسألة المناقشة حول صيغة نظام الحكم وما إذا كان اشتراكيا أم لا، وأكدت لجريدة «لوموند» أنّك تعود إلى تونس لا للتمتّع بالتقاعد وإنّما لإنجاح ما فشل في أوّل مرّة وذلك في عددها الصادر يوم 10 سبتمبر 1977 وبالطبع لما عدت إلى تونس التففت بالحبيب عاشور وواصلت معه تبادل وجهات النظر في الطريقة العملية للوصول للغاية المنشودة ونستنتج من ذلك علمك بالإضراب العام حتى أنّك أعربت عن خيبة أملك في تصريح أدليت به يوم 31 جانفي 1978 لوكالة فرانس براس من ابداء الحيرة من استعمال الجيش ضد المهرّجين وقلت أنّ النظام الذي يقوم بهذا العمل يحكم على نفسه بالفشل.
الجواب:
انّي فعلا صرّحت بتصريحي الذي وقعت تلاوته عليّ ولكن كلّ تصريح كان لظرفه وأنّي أعلم أنّ الرئيس بورڤيبة مريض ونظرا للأحداث التي تمرّ بها البلاد في ذلك التاريخ كنت أفكّر في أن يقع الاتصال بكل أصحاب الرأي لمراجعة الوضع وقد بيّنت ذلك في تصريحي المذكور اذ عرضت الاتصال بالسيد الوزير الأول الذي وصفته برجل الحوار من اجل ادخال التحويرات التي تتطلبها البلاد كما أنّي صرحت بأنّي راجع إلى تونس للالتفاف حول الحبيب عاشور لنبني معه في الداخل ما يسمى بالتآخي وقصدي من ذلك المصالحة التي كنت أطالب بها وبعد تبادل الأفكار تقع الاختيارات حول نظام الحكم الذي نتفق عليه والذي يمكن أن يتلاءم مع وضعية البلاد التي نمت وتطوّرت في ظرف اثنين وعشرين سنة من الاستقلال.
وانّي صرحت لجريدة «لومند» في 10 سبتمبر 1977 بأنّي عائد إلى تونس لإنجاح ما فشل في أول مرّة وقصدي من ذلك الدعوة والعمل لأنّ أواصل مع الاخوان الليبيين العمل لتحقيق كلّ ما يقرب الى الوحدة بعمل فردي أي بعملي كمواطن بعد خيبة الأمل التي حصلت بجربة بطريقة الحوار في نطاق المصالحة والتآخي الذي كنت أطالب به.
وانّي منذ رجوعي إلى تونس لم ألتق مع الحبيب عاشور الاّ في مناسبتين اثنتين على ما أذكر الأولى ليلة رجوعي بمحضر أبو أياد وفي الامكان سماعه في الموضوع والثانية بمنزله اثر التوصل لحلّ مشكلة عملة المناجم وفي مناسبة ثالثة بنزل أميلكار اذ دعيت إلى مأدبة اقامها الحبيب عاشور للخويلدي الحميدي الذي كان موجودًا بتونس ولم اتفق معه على أيّة خطّة ولم يعلمني بقرار الاضراب العام ولا دخل لي في الأحداث التي جدت بالبلاد كما شهد بذلك سيادة الوزير الأول في تصريح أدلى به لبعض الصحافيين في مناسبتين اثنتين.
وانّي صرحت فعلا لوكالة فرانس براس يوم 31 جانفي 1978 بكوني أبدي حيرتي من استعمال الجيش ضد المهرجين وقلت انّ النظام الذي يقوم بهذا العمل حكم على نفسه بالفشل.
ولما عُورض بما سبق أن صرّح به لدينا في 17 ماي 1978 إذا ما انخرم النظام فإنّ الحكومة من حقّها القيام بواجبها بالطريقة التي تراها كفيلة لاستتباب الأمن ذكر أنّه لا يعتبر وجود تناقض بين التصريحين.
سؤال:
بما أنّك عشت ظروف يوم 26 جانفي 1978 وما وقع فيه من احداث بالعاصمة التونسية فهل أنّ ما حصل في نظرك يبرّر تدخل الجيش.
الجواب:
انّي أرى أنّه إذا ما حدث في البلاد اخلال بالأمن والتعدّي على الأشخاص في أموالهم وابدانهم وأرواحهم مثل ما حدث يوم 26 جانفي 1978 وان كنت لا أتصوّر تفاصيله فإنّ من حق الحكومة اذا ما اختل الأمن ورأت ان الشرطة تجاوزتها الأمور ان تستنجد بالجيش لإقرار النظام الذي من واجبها حفظه.
وبعد الختم وقبل الامضاء لاحظ أنّه اثر رجوعه الى تونس وجه رسالة إلى فخامة الرئيس شكره فيها على سماحه له بالعودة إلى تونس ويتجاوز عنه بالعفو في كل ما صدر عنه من أقوال يعتبرها تمسّ بكرامته هو أو الاخوة المسؤولين في تونس الأكبر منه سنّا الذين يعتبرون أنّي نلت من كرامتهم.
صورة تجمع أقطاب الحكم في دولة الاستقلال وهم بداية من يمين الصورة وفي الصف الاول : جلولي فارس، علي البلهوان، الباهي الادغم،الحبيب بورقيبة، المنجي سليم،أحمد التليلي وعبدالله فرحات، وفي الصف الثاني الحبيب عاشور، الفرجاني بلحاج عمار(شخص لم نتعرف عليه) الصادق المقدم، محمد المصمودي، عبد المجيد شاكر، احمد المستيري والطيب المهيري.