وثائقي

الهادي الغضباني يكتب عن "وجوه ومواقف نقابية في الذاكرة" (2): من درجة 1 الى 180 درجة

أعود أو بالاحرى يعود موقع الشعب نيوز الى بث المذكرات التي كنت نشرتها على حسابي الخاص بالموقع الاجتماعي فايسبوك بعد اجراء بعض التدقيقات وتصحيح معطيات تاريخية. فهل كانت مقدمة الحلقة الأولى كافية ليتعرّف عليّ الجميع؟ وما أهمية مثل هذه المذكرات مثل سأل بعض الرفاق لا سيما من الشباب.

أعتقد ان المقدمة كانت كافية بالنسبة لشباب السبعينات ممن هم في سني أو اكبر بسنوات. وقد استعملت معهم صيغة "الصدمة " حتى أعيد اليهم ذكرى ماض قاس عشناه معا وهو لا شك جميل. فنحن جيل انتقل في موقفه من الاتحاد العام التونسي للشغل من النقطة 1 الى النقطة 180. ولا يخفى اننا لقينا مقابل ذلك من العذاب ألوانا. عذاب معنوي ولكن أيضا عذاب مادي.

كان الاتحاد العام لطلبة تونس ممثلنا الوحيد، حيث نشطت صلبه وناضلت قاعديا، فبث فينا النفس الثوري بالأساليب اليسارية، المعتدلة حينا والمتطرفة أحيانا، إلى أن سطت عليه يد الحزب الحاكم لتشتيته. عندئذ، جنحنا إلى العمل صلب الهياكل المؤقتة.. تتقد جمرتنا أثناء الدراسة وتنطفئ أثناء العطل الرسمية او تعطيل الدروس عمدا كما صار سنة 1972 مثلا...وكان الموقف الغالب من الاتحاد العام التونسي للشغل سلبيا باعتبار ان أغلبيتنا كان يراه " نقابة صفراء" تخدم مصالح السلطة أكثر من اهتمامها بالشغالين. 

تصور أنك تنتقل من موقف الرافض مائة بالمائة الى موقف المؤيد مائتين بالمائة. حيث لم نكتف بالانخراط في الاتحاد العام، بل سريعا ما تحملنا في صلبه المسؤوليات وأكبر تلك   المسؤوليات أننا انخرطنا في الدفاع عنه بكل قوانا ومداركنا وبانقطاع فاق كل التصورات.

فما ان انتدبت أستاذا بمعاهد القصرين سنة 1973 وعايشت الطبقة العاملة عن كثب ومعاناتها حتى عزمت مع ثلة من الأساتذة على الانضمام إلى الاتحاد العام التونسي للشغل، ولم تمض الا سنتان حتى وجدت نفسي وثلة من رفاقي مجمّد النشاط النقابي اثر اضراب لم تعترف به المركزية نفذ سنة 1975.

وما هي الا سنتان أخريان حتى وجدتني مع رفاقي أواخر سنة 1977 ندافع بكل ما أوتينا من قوة عن استقلالية الاتحاد ضد هجمة السلطة الحاكمة ثم ندخل في سرية العمل النضالي دفاعا عن الهياكل الشرعية ونقاوم تلك التي نصبها النظام وهو ما سآتي على تفاصيله في حلقات لاحقة.

بالمختصر، انني عدت منذ مطلع الثمانينات للمسؤولية في النقابة الأساسية ثم النقابة الجهوية للتعليم الثانوي فالاتحاد الجهوي للشغل بالقصرين الى ان داهمتنا أزمة 1985 وملحمة جديدة من ملاحم الدفاع المتجدد عن استقلالية الاتحاد.

بداية من افريل 1989 والى غاية ديسمبر2006، كنت عضوا في المكتب التنفيذي الوطني حيث انتخبت في مؤتمر سوسة وتجدد انتخابي في مؤتمري 1993 و1999 وكذلك أيضا في مؤتمر جربة الاستثنائي سنة 2002. وقد توليت مسؤولية أقسام الوظيفة العمومية والعلاقات العربية والدولية والنظام الداخلي وذلك الى ديسمبر2006.

ابتعادي عن المسؤولية لم يمنعني بل لم يبعدني عن الاتحاد وعن الرفاق الذين عرفتهم وعملت معهم، حيث انني احرص على حضور كل التظاهرات والمناسبات التي ينظمها الاتحاد و ادلي بدلوي في كل ما يمثل أمامي من مسائل.

في هذا السياق بالذات، تأتي سلسلة هذه الحلقات التي اخترت ان اتحدث فيها عن اخوة نقابيين تميزوا بمواقف او سير لافتة وعن مواقف مارسنا فيها قناعاتنا بكل حرية وثقة.

------------

الحلقة القادمة: المجلس القومي للاتحاد 1978 وما قبله.