وثائقي

الهادي الغضباني يكتب عن وجوه ومواقف نقابية في الذاكرة (20) مع الأخ حسين بن قدور، أخيرة وليس آخرة.

* في الصورة، يجلس الاخ الحسين بن قدور رحمه الله الى جوار الاخ محمد شندول اطال الله عمرة في لحظة صفاء أثثها "شيخنا " بملاحظة مثيرة للابتسامة.

تواصل معي بعض الأصدقاء من الاتحاد العام التونسي للشغل وقد عايشوا الاحداث في الفترة التي انا عنها اكتب، وخاصة حول ما حف بمؤتمر قفصة.  وانا اعتمدت الذاكرة وقد تقصر ولم اتقص الاحداث عبر الوثائق وبالتالي فأنا اعدل ما ينبغي تعديله .

سي الحسين كان نقابيا نافذا وفعالا.. لم يغفر لمن كانوا وراء دخول الاتحاد في جبهة انتخابية مع الحزب الدستوري الحاكم ابان انتخابات اكتوبر 1981 ولم يغفر لمن قبلوا بذلك من النقابيين الذين صاروا أعضاء في البرلمان. وحيث تم رفع الاستثناء عن الأخ الحبيب عاشور أتناء أشغال المجلس الوطني المنعقد طبقا لتوصية مؤتمر قفصة في 30 نوفمبر 1981، فأن المجلس انتخب الأخ الحبيب عاشور رئيسا للاتحاد وأبقى على الامانة العامة للأخ الطيب البكوش.

بعد نحو سنتين، تأسس الاتحاد الوطني التونسي للشغل(نوفمبر1983)  بعد انشقاق سبعة من أعضاء القيادة النقابية للاتحاد العام. وإذ ان بعض هؤلاء الاعضاء منتخبون في البرلمان فان الخطة التي سار فيها الاتحاد العام هي سحب البساط من تحت أقدامهم كجبهوبين – أي منتسبين للجبهة مع الحزب الحاكم - عبر تهييج القواعد النقابية عليهم وقلبهم ديمقراطيا. علما وان البعض ممن أصبحوا أعضاء في البرلمان صاروا إلى الحزب الحاكم أقرب منه الى الاتحاد.

وانطلق "الزحف النقابي المستقل" واخذ بعض الكتاب العامين للاتحادات الجهوية يتساقطون في كل مؤتمر ينجز. لم يصمد أمام التيار الا من كان يحسن استعمال "شعرة معاوية" او من فهم ان الائتلاف الانتخابي بين الأطراف لا يؤدي إلى انصهار طرف في مسار طرف آخر.

وقد تمكن الأخوة سالم عبد المجيد من ادراك ذلك وظل كاتبا عاما للاتحاد الجهوي للشغل بتوزر والقيزوني السوسي الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بالكاف ومحسن الدريدي الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل ببنزرت. وربما غيرهم في بعض القطاعات...

كلما اينعت حان قطافها.

عندما اينعت في القصرين. طبعا، اصبح الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بالقصرين الأخ محمد الكافي العامري رحمه الله عضوا بالبرلمان في اطار الجبهة الوطنية. وكنت انا عضوا بالمكتب التنفيذي الجهوي وقد صوتت للورقة الخضراء وهي لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين المعروفة اختصارا "ح.د.ش".  وجررت ورائي عددا لا بأس بهمن النقابيين للتصويت لفائدتها.  وأذكر أننا كوّنّا لجنة لدعم القائمة المعارضة وكانت تتكون من بدر الدين الهرماسي والعايش الزبيدي رحمه الله وزاكي الشعباني وعمار الحمدي وغيرهم.

اذكر ان سي الكافي العامري إثر انتخابه في البرلمان.. عزم على ان يحتفل بالحدث في سبيطلة.. خرجنا من القصرين مساء نحو سبيطلة. كانت السيارة من نوع 4 ال.  اذكر ان م.الكافي العامري يقودها وكان فيها البرني العلاقي رحمه الله وعمر المحمدي دام بقاؤه والحبيب القصوري رأف الله به وكاتب هذه السطور ..قال سي الكافي انه تحصل على أكثر أصوات في الانتخابات للبرلمان..قلت "يبدو أن هناك تزييف في الانتخابات."

أوقف السيارة والتفت لي وقال:"انت كنت ضد الانتخابات التي اقرها الاتحاد وصوتت للمستيري (يقصد أحمد المستيري أمين عام ح.د.ش) " لوكان غيرك معي في السيارة لانزلته". كنا قرب قرية اسمها بوزقام .. وكان النهار اخذا في الافول..فتحت باب السيارة وخرجت منها إلى القارعة. فواصل طريقه غير آبه. واحسست بعودته ليأخذني فتخفيت بين الاشجار وعدت إلى مدينة القصرين على قدمي مسافة العشرين كلم.

لم احس في حياتي بالسعادة أكثر من احساسي بها وانا اقطع طريق العودة إلى بيتي وانا فخور بتكريس الراي الحر..

كنا نحن أعضاء الاتحاد الجهوي للشغل بالقصرين عقدنا العزم على الاطاحة بالكافي العامري الذي اصبح إلى أعداء الامس أقرب. وكونا وفدا نقابيا وانتقلنا إلى العاصمة للتشكي لدى الأخ الامين العام الطيب البكوش.٠فاستمع الينا بكل انتباه ولكنه صب" الخل في الزيت" كما قال بشار بن برد

دور سي الحسين بن قدور.

اطلعناه رحمه الله على ممارسات سي م الكافي العامري. واعطيناه فكرة عن النقابات المواليه له وجلها من قطاعي الفلاحة والبناء. ودعمنا وهو المكلف بالمالية في الاتحاد بما يحقق جلب المعارضين لنا الينا..

ولفك النزاع النقابي بين موقف الكاتب العام للاتحاد الجهوي الداعي إلى ايقافنا عن النشاط النقابي وعقد مؤتمر استثنائي جهوي وبين موقفنا في عقد مجلس جهوي يبت في الأمر. فكان للأخ حسين بن قدور دور في ترجيح الكفة لفائدتنا (بالتنسيق مع الأمين العام سي الحبيب عاشور)

وانعقد المجلس الجهوي وتولى الإشراف عليه الاخوان خير الدين الصالحي رحمه الله وخير الدين بوصلاح دام بألف خير.. ولما أعلن خير الدين الصالحي عن قرار المجلس الجهوي بأغلبية أعضائه على الابقاء على تركيبة المكتب التنفيذي الجهوي واعطائه الحق في الابقاء على الكاتب العام أو تعويضه.. قامت القيامة والتف جمع من أنصار الكافي العامري على خير الدين الصالحي فأطاحوا به أرضا من كرسيه لولا تدخلنا لمنع العدوان عنه..

كان لسي الحسين دور لشد ازرنا...مكننا من انتداب لجنة عمالية وقتية لحماية الاتحاد الجهوي للشغل بالقصرين

ولما حل بالقصرين لشد ازرنا عقد لنا جلسات مع والي القصرين ورشيد بوقطف المدير العام لديوان تونس الوسطى ومحمود كيلاني المدير العام لديوان الأراضي الدولية" وادي الدرب" بالقصرين.

الحلقة القادمة: الكاتب العام السابق للاتحاد الجهوي للشغل ببنزرت.