قدمه محمد معالي: حكايات قرية الفقر والفرعنة اصدار جديد لبوراوي الزغيدي
الشعب نيوز / متفرقات - "حكايات قرية الفقر والفرعنة"... كم أحببت هذا العنوان وكم وددت أن يكون وحده عنوانا للكتاب، أو العنوان الرئيسي، على الأقل. لئن كان الفقر هو القاسم المشترك بين جُلّ أبناء الريف وأغلب سكان المدن الكبرى والصغرى، مع تفاوتات كمّية فيه، فإن "الفرعنة''، أو التمرّد على من يُنظر إليهم على أنّهم السبب في هذا الفقر أو "حرّاسه" والمستفيدين منه ليست مُوَزّعة بالتساوي بين أهل تلك المناطق الفقيرة والمُفقّرة لأسباب يطول شرحها. وكان لجبنيانة، ضمن مناطق أخرى، نصيب وافر من هذه "الفرعنة" التي خَبِرَها الكاتب وحدّثنا عنها عبر حكاياته هذه، باعتباره ابن جبنيانة المُفقّرة عُنوة و"المتفرعن'' أبناؤها الذين تجسّدت فرعنتهم في يَسارِيّتهم.
إنّ الشعور لدى راوي "حكايات قرية الفقر والفرعنة" بعمق الانتماء إلى جبنيانة واليسار، في الآن نفسه، حاضر باستمرار تقريبا على امتداد الكتاب. وللانتماء تبعات، فلئن اقترن لدى البعض بمشاعر الفخر والرضا والشعور بشكل من أشكال الأمان في أحضان مجموعة ما فإنه بالنسبة لآخرين، ومنهم الكاتب، مصدر انشغال يؤرّق صاحبه بسبب كلّ ما تعانيه المجموعة وما يُهدّدها. ولا مجال هنا للفخر بأمجاد خلت ولا ببطولات مفترضة خاوية. من هنا تكون الروح النقدية على أهبة دائما لتتبع النقائص والعين المفتّحة باستمرار لرصد كلّ الأخطاء. لهذا نلاحظ هذه النزعة الوضحة لدى الكاتب إلى عدم التسامح مع أيّة ظاهرة لا تُرضيه وهذا النقد القاسي والجارح بل والظالم أحيانا الذي يوجّهه إلى الرفاق والأصدقاء قبل الأغراب والأعداء.
قد يبدو بعض النقد مُشِطّا ولكنّه يبقى، مع ذلك، ضروريّا لِمَا يُمكن أن يُثير من نقاش وما يؤدّي إليه من تحريك للسواكن. وهو بذلك يفتح السبيل إلى تجاوز الإخلالات وتحصين المسار من الانتكاسات.
وفي ثنايا "حكايات قرية الفقر والفرعنة" يطرح الكاتب الكثير من الآراء الشخصية التي تستفز النقاش مثل قوله: "...السلطة مرض عضال، لذلك لا يمكن أن أتصور يوما أن اليسار يصل إلى السلطة لأنه وقتها بالذات سيفقد يساريته ونضاليته والتزامه بقضايا الناس. اليسار حلم وليس أسلوب حكم. اليسار اعتراض على السلطان والوزراء والولاة. اليسار والسلطة ... لا علاقة." صحيح أنّ السلطة، حتى يومنا هذا، تُفقِد اليساريين الذين يمسكون بها يساريتهم لأنّهم مارسوها على الشاكلة التي مارسها بها اليمين من قَبْلهم بينما المطلوب هو أن يُفكروا في تغيير السلطة نفسها وأن يسعوا إلى ممارستها على نحو يختلف عمن سبقهم، لأنهم، إن لم يفعلوا، يفقدون هويتهم اليسارية ذاتها ويتحولون إلى رهط من أرهاط اليمين بل أسوأ أحيانا.
وممّا يُسجل لهذه الحكايات وراويها، على مستوى الشكل، هو طرافة الأسلوب وخفته، إذ كثيرا ما توخّى الكاتب التلميح دون التصريح وسرعة الانتقال بين الأحداث والأشخاص والقضايا، وبقدر ما أضفى هذا الأسلوب من خفة وطرافة بقدر ما خلق لدى القارئ رغبة في الاستزادة، فهل من مزيد؟