آراء حرة

تونس، الشجرة العتيقة

الشعب نيوز/ محمّد المنّاعي: المجتمع التونسي أقرب في هيئته الحالية إلى الشجرة العتيقة جذورها ضاربة في عمق التربة والأرض بينما أغصانها وأوراقها شاحبة مصفرّة عبث بها الزمن.

مجتمع له حركة سياسية أقدم من 100 عام وحركة نقابية أكثر من 100 عام وحركة نسائية عمرها حوالي قرن وحركة طلابية عمرها ثلاث أرباع قرن وحركة يسارية عمرها قرن وحركة حقوقية عمرها أكثر من نصف قرن و صحافة عمرها قرن ونص وتعليم عصري عمره قرن ونص كان مرجعا في الديمقراطية (بمعايير وقتها) ومؤسسات دولة وتداول من أيام حنبعل ، حركة مسرحية عمرها 2000 سنة حين كان في كل مدينة مسرح . تقول الفلاحة يقلك ماغون معلم الزراعة وابن الشباط معلم الصحراويين الهندسة المائية ، تقول دين يقلك أغستينوس والامام سحنون وبن عاشور تقلو تحديث يقلك عندي أول دستور وأول منع للعبودية وعندي الطاهر الحداد و عندي أول مجلة أسرة حداثية ..تقلو الانتفاضات يقلك بلا حساب من بن غذاهم ل17 ديسمبر 2010 ، تقلو رياضة يقلك أبطال العالم في مختلف الرياضات ، تقلو طب يقلك أفضل الأطباء ، موسيقى وفنون بلاش حساب .

لكن كل هذا الألق "بلاح" من شدة ما مر بالبلاد خاصة في السنين الأخيرة ليبدو في المحصلة مجتمع باهت شاحب أقرب للسذاجة خانع غير مبال يجري خلف من يجري ويسب خلف من يسب ويكفّر خلف من يكفّر يظهر التفتح خلف من يظهر التفتح ويظهر المحافظة خلف المحافظ و تتقاذفه الرياح فاقد للبوصلة ، يسخر من فكرة الحرية ويحارب من يطالب بحريته ويهلل للاستعباد والظلم ، يدمر دون مبالاة رموزه وارثة و الحصون التي بنتها أجيال وحمته وحمت البلاد من عواصف عديدة.

متى ينتهي هذا القحط وهذه العاصفة الرملية التي زعزعت جذور مجتمع ضارب في التاريخ و أذبلت أوراقه ليكون على هذه الهيئة الباهتة لولا أركان فيه مازالت تنبض بالحياة.