دولي

الاستقالة الكبرى... كيف غيّر الموظفون الفرنسيون نمط حياتهم بعد الأزمتين الصحية والاقتصادية؟

ارتفعت نسبة الاستقالات من العمل في فرنسا بحوالي 20 بالمائة، وفق تقرير نشرته وزارة العمل نهاية شهر جويلية 2022. يأتي ذلك عقب مرور عامين على أزمة صحية حادة سببتها جائحة فيروس كورونا. أسباب عديدة تقف وراء ذلك، أبرزها الآثار النفسية التي خلفها الحجر الصحي الذي فرض على الفرنسيين خلال عدة شهور متتالية وضعف مستوى الأجور، إضافة إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي للبلاد.

البحث عن حياة أفضل في القرى والأرياف بعيدا عن ضجيج المدن ومشاكل المواصلات والتلوث. هذا هو الحلم الجديد الذي ينتاب العديد من الفرنسيين الذين اختاروا الاستقالة من وظائفهم بحثا عن حياة أخرى تكون أكثر ملاءمة مع تصوراتهم الاجتماعية ورغبتهم في العيش ببساطة وهدوء بالقرب من الطبيعة والحيوانات.

فحسب دراسة نشرتها وزارة العمل الفرنسية نهاية شهر جويلية 2022، حوالي نصف مليون شخص قرروا الاستقالة من وظائفهم بحثا عن حياة مختلفة عن تلك التي كانوا يعيشونها في السابق. فيما قرر العديد منهم مغادرة المدن الكبرى التي تعج بالضجيج للعيش في الأرياف.

ويأتي هذا التغيير بعد مرور عامين على جائحة فيروس كورونا التي تركت أثارا عميقة في نفوس الفرنسيين، ما دفع بالعديد منهم لطرح تساؤلات حول طريقة العيش التي يرغبون بها. فيما زاد ضعف مستوى الأجور وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من عزيمة هؤلاء على ترك المدن الكبرى، خاصة العاصمة باريس بدون الالتفات إلى الوراء. ووفق تقرير وزارة العمل، 20 بالمائة من الفرنسيين تركوا وظائفهم بحثا عن حياة جديدة ومختلفة عن السابقة.

هذه الظاهرة انطلقت من الولايات المتحدة الأمريكية حيث قرر حوالي 48 مليون أمريكي التخلي عن عقود عمل دائمة في 2021 حسب وزارة العمل التي أضافت أن 4.4 مليون أمريكي أقدموا على القيام بنفس الخطوة منذ بداية العام 2022.

وتشير الدراسة التي أجراها معهد "بيو" للبحوث بهدف فهم الأسباب التي تدفع الأمريكيين إلى الاستقالة من مناصبهم، أن 63 بالمائة قاموا بذلك بسبب ضعف الأجور التي يتقاضونها. أما 63 بالمائة الأخرين، فهم يشكون من قلة الآفاق داخل الشركات التي يعملون فيها. أما 57 بالمائة منهم فهم يشعرون بأنهم لا يحظون بالاحترام من قبل المؤسسات والشركات التي يعملون فيها.

ويبدو أن المجتمع الفرنسي يسير على خطى نظيره الأمريكي. إذ كشفت وزارة العمل في فرنسا أن 1.6 مليون موظف استقالوا في 2021 بالرغم من أنهم يملكون عقود عمل دائمة.

ويخشى مراقبون اقتصاديون أن تؤثر هذه الظاهرة سلبا على الشركات الاقتصادية والمصانع، خاصة وأن 42 بالمائة من الفرنسيين، الذين تقل أعمارهم عن 35 عاما، ينوون الاستقالة في الأشهر المقبلة وفق إذاعة "أوروبا1".

وفي شهر ماي الماضي، انتقد طلبة من معهد الزراعة بباريس "بعض الوظائف المدمرة للبيئة" بدون أن يشرحوا طبيعة هذه الوظائف وأكدوا أنها (أي الوظائف) تضر بالبيئة لكنها تخدم مصالح البعض". وهم يقصدون الشركات العالمية الكبرى التي تلوث البيئة والطبيعة بفضل نشاطاتها الاقتصادية.

وإلى ذلك، ارتفعت في فرنسا بعض الأصوات التي تنتقد الاستغلال المفرط لثروات الطبيعة و"الوظائف المدمرة للطبيعة" والبيئة.

فيما يخطط العديد من الفرنسيين للخروج من" الدوامة الاقتصادية" ومن "النظام الاستهلاكي" الذي فرضته الشركات العالمية الكبرى كونه يؤثر سلبا على البيئة التي أصبحت تعاني من سياسة التصنيع والتلوث المفرطين.

منذ ظهور وباء فيروس كورونا، قررت عائلات كثيرة كانت تعيش في مدن فرنسية كبرى كباريس مغادرة المناطق الحضرية باتجاه الأرياف للعيش قرب الطبيعة وفي كنفها بعيدا عن ضجيج وصخب المدن.

فهل انتهى الركض نحو كسب المال بشتى الوسائل وحلت مكانه فكرة العيش وفق المعتقدات الشخصية وبدون الاستهلاك المفرط للموارد المائية والبيئية؟