قصّة الطفل ريّان لن تنتهي ببلاغ النعي الملكي، وحقيقة الدقائق الخمس يجب ألّا تدفن في بئر المخزن
بالحساب الزمني لم يتجاوز الوقت الفاصل بين عمليّة اخراج الملاك ريّان من البئر وفرحة الملايين من المتابعين وبين البلاغ الصادم والمدمّر للأعصاب الذي أصدره الديوان الملكي المغربي خمس دقائق..
فارق يطرح أسئلة مشروعة وجادة لا تغني عن التنويه بالمجهودات التي بذلها الأهالي وفرق الانقاذ والحفر اليدويّة والٱليّة وٱلاف المواطنين والاعلاميين الذين نقلوا الخبر لحظة بلحظة وكلّ الضمائر الحيّة التي تابعت المأساة بالدعاء والأمنيات؛
من حقّنا جميعا أن نسأل، هل توفّي الطفل ريّان منذ سقوطه في البئر وهو أمر مستبعد تنفيه الفيديوهات التي تمّ تسريبها من داخل البئر والتي تؤكد أنّه ما زال على قيد الحياة، ما لم تكن مزيفة أو مضللة ؟؟
من حقّنا أن نسأل هل فارق الطفل الحياة بسبب تأخّر عمليّة الانقاذ لخمسة أيّام وهي فترة طويلة نسبيّا خاصة إذا كان مصاب بكسور واصابات بليغة ؟؟ أم أثناء عمليّة الوصول اليه في الساعات الأخيرة، خاصة مع توارد تسريبات غير مؤكدة عن انهيار رملي أثناء محاولات الأمتار الأخيرة ؟؟ أم أنّه فارق الحياة مباشرة بعد اخراجه ولم تنجح معه محاولات الأطقم الطبيّة؟؟
رحم الله الملاك ريّان فقيدنا جميعا وتعازينا لعائلته، لكن يبقى من حقّ كلّ من تابع هذه المأساة على امتداد خمسة أيّام وبعضهم وصل الليل بالنهار، ولم ييأس ولم يبخل بالدعاء وزرع الأمل، ومن حقّ كلّ من فرح ومن كبّر ومن أطلقنّ حناجرهنّ بالزغاريد أن يفهموا ويفهمنّ ماذا وقع.. هل كانت شهوة "الضربة الاتصاليًة" و"لعنة الأضواء" قد أغرت البعض بركوبها والتلاعب بمشاعرهم وشدّ أعصابهم؟؟ هل كانت السلطات المغربيّة تعمّدت فعلا استنزاف مشاعرنا حدّ الثمالة رغم علمها بوفاة الطفل قبل أو أثناء أو بالتزامن مع خروجه من البئر؟؟ وهو الأمر الذي يجعل من تكتّمها جريمة لا تغتفر، قد تجعلها تدفع الثمن غاليا بخسارة كلّ التعاطف مع فيض انسانيتها واحترامها لقدسيّة أرواح مواطنيها. ألم يكن الأحرى بها إن كانت تعلم أن تهيئ الملايين الذين تابعوا الحدث نفسيّا على الأقلّ لتلقّي وتقبّل الأمر الجلل؟؟ هل تكون السلطات المغربيّة قد اختارت أن تؤجل الأمر حتّى تتمكّن من اخراج جثمان الطفل خارج دائرة الانقاذ فتضمن على الأقلّ نصف انتصار؟؟ هل تكون خافت ردود فعل الحاضرين في المكان من وقع الصدمة وخيبة الانتظارات ان هي اعلمتهم حقيقة موته خشية أن يحسب الفشل في انقاذ حياته عليها؟؟ لكن هل يبرّر كلّ ذلك استسهالها وقع صدمة الملايين من المتابعين في العالم ببلاغ ديوانها الملكي الصادر بعد خمسة دقائق والذي بدّل فرحتهم حزنا وخيبة وغضبا واحباطا؟؟
الأمر المؤكّد أنّ بلاغ الديوان الملكي المغربي الذي صيغ بعقل بارد وصياغة أميريّة قدريّة ركيكة كان وقعه أشدّ قسوة ومرارة على مشاعر ملايين المتابعين التي أدفأت ريّان في البئر وشدّت عزائم من احتضنوا وحدته وأناروا ظلمته من قدر الموت وقضاء الله الذي لا يردّ. لم تنته قصّة الطفل ريّان وتكتمل حلقاتها بالبلاغ الملكي ولكن بفتح تحقيق جدّي مستقلّ وشفّاف في الضوء وعلى الملأ وبعيدا عن أنفاق بيروقراطيّة المخزن التي دفنت في بئرها العميق ٱلاف الحقائق.
رحم الله فقيدنا جميعا الطفل ريّان الذي منح بروحه الطاهرة بلده الكثير وهي التي لم تمنحه سوى القليل. ولعلّ نهاية القصّة الغامضة تجعلني أخشى أنّ ما ربحه المغرب الشقيق اتصاليا في خمسة أيّام قد خسره بجرّة ريشة اتصاليّة ملكيّة وبعقل بارد اداري في خمس دقائق.
خليفة شوشان